أزمة القطاع العام وترف المرافقين والسائقين! |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#الثائر
- أكرم كمال سريوي
عندما توظف الدولة اللبنانية مواطن لديها فهي تُرتّب على الخزينة مبلغا يترأوح بين 600 ألف إلى مليون دولار لموظف الفئة الرابعة، وقد يصل إلى أكثر من مليوني دولار لموظفي الفئة الثانية وما فوق. وفي عملية حسابية بسيطة لأدنى درجات الموظفين، فالموظف يتقاضى أكثر من مليون ليرة شهريا، والجندي مثلاً يتقاعد بعد خدمة 18 سنة ويصبح راتبه بعد الترقية والتدرج أكثر من مليوني ليرة ويتقاضى نسبة 85 بالمئة من آخر راتب في الخدمة الفعلية كمعاش تقاعدي مدى الحياة، وينتقل هذا الحق إلى الزوجة أو الابنة على العاتق، وأشارت بعض الدراسات إلى ان مستوى متوسط الإعمار في لبنان هو بين 72 و73 سنة، وهذا يعني ان الدولة ستدفع راتب الموظف لمدة تزيد عن خمسين عاماً في حين تستخدمه لمدة 18 عاماً فقط. بمعدل وسطي يبلغ ألف دولار شهرياً فيكون اجمالي المبلغ المدفوع أكثر من 600 ألف دولار، هذا دون احتساب التقديمات الاخرى كالطبابة ومنح التعليم ونفقات السفر والتدريب وغيرها. وبالطبع لا تكمن المشكلة في هذه المبالغ وحسب، بل في تخصيص هؤلاء الموظفين كسائقين ومرافقين ليس للنواب والوزراء بل لمعظم موظفي الفئة الأولى وزوجاتهم وأولادهم، بحيث يبلغ الترف في لبنان بأن يُخصص اثنان على الاقل لبعض الموظفين، وينسحب الامر على ضباط الأسلاك العسكرية، خصوصا الرتب العالية، بحيث يتم تخصيص السائقين والمرافقين والسيارات العسكرية ليس لهم فحسب، بل لنقل أولادهم إلى المدارس ويكونون بتصرف زوجاتهم، وما زال مشهد العسكري على أحد التلفزيونات وهو يفتح باب المحل لزوجة أحدهم ماثلا في الأذهان. ويتمتع العمداء المتقاعدون بحق إعطائهم سائق لمدى الحياة، ويحق لهم استبدال السائق براتب جندي وليس خافياً ان نسبة 95 بالمئة من الضباط يحالون إلى التقاعد برتبة عميد بهدف الحصول على هذه الامتيازات المادية، خصوصا وأن الفارق بين راتب عميد وعقيد يبلغ الضعف تقريباً وفقاً لجداول سلسلة الرتب والرواتب الاخيرة. يبلغ عدد جنرالات الجيش الأميركي 39 جنرالاً وفقاً لوزارة الدفاع الأميركية، وفي الصين يصل العدد إلى 191 أما في تركيا فقد أصبح بعد الانقلاب العسكري الأخير 201 جنرالات، أما في لبنان فيوجد أضعاف مضاعفة لهذا العدد ويتسابق اللبنانيون للدخول إلى الجنة الوظيفية، فماذا يمكن ان يفعل المواطن اللبناني لضمان الحصول على مثل هذه المبالغ الطائلة والامتيازات الإمبراطورية لكبار موظفي الدولة؟ بالرغم من أن وزارة المالية لديها كامل الأرقام لعدد الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم منها، إِلَّا انها لا تُعطي الاعداد الرسمية ليبقى هذا العدد في دائرة تقدير بعض مراكز الإحصاء والأبحاث التي قدرت عدد الموظفين بأكثر من 300 ألف منهم 120 ألف في الأسلاك العسكرية و40 ألف في وزارة التربية والتي سنعرض أوضاعها في مقال خاص نظراً لاهمية هذا القطاع وحاجته إلى الاصلاح وحجم الفشل الذي يطغى على المدارس الرسمية. يُقدر عدد العاملين كسائقين ومرافقين بأكثر من خمسة آلاف، أي ما تكلفته أربعة مليارات دولار تقريباً. أما في موضوع الإنتاجية، فإن القطاع العام يعاني من بطالة مقنّعة، وبالرغم من زيادة ساعات العمل ما زالت الإنتاجية منخفضة، فالموظف، وفي ظل غياب الرقابة والحافز لا يعمل أكثر من ثلاث إلى خمس ساعات يومياً، وهناك عدد لا يحضر إلى مركز عمله اضافة إلى الموظفين الذين لا عمل لهم أصلاً كموظفي السكك الحديدية. إذا أراد اللبنانيون الاصلاح فلا بد من معالجة معضلة القطاع العام، فإذا كان ليس بالإمكان تخفيض عدد الموظفين فيجب اتخاذ إجراءات اصلاحية عبر وقف التوظيف ورفع سن التقاعد واعتماد مبدأ نقل الموظفين داخل ادارات الدولة، خصوصا العسكريين الذين يتقاعدون في عمر مبكر، وهذا ما أجازه قانون الدفاع الوطني، إضافة إلى تفعيل دور اجهزة الرقابة والتفتيش وإعطاء حوافز إنتاجية عن طريق ربط جزء من الراتب بنتائج وظروف العمل وهذا أمر تقوم به عدة دول في العالم. يستهلك القطاع العام نسبة 75 بالمئة من موارد الدولة اللبنانية كرواتب واجور وتعويضات، وأشارت التقديرات انه بلغ في عام 2018 أكثر من ثمانية مليارات دولار فهل يجوز الاستمرار في هذ الوضع؟ ورغم الوضع المالي السيء للدولة اللبنانية ما تزال شهية بعض الموظفين مفتوحة على المطالبة بزيادة على الرواتب والأجور، وقد يكون الإجراء الوحيد المتبقي امام الدولة لتخفيض هذا العجز وانقاذ نفسها من الغرق هو اللجؤ إلى تحرير سعر صرف الدولار كما فعلت مصر وغيرها من الدول التي تعاني من تضخم القطاع العام، وهذا ما لا يدركه معظم الموظفين الذين ما زالوا يطالبون بزيادة على رواتبهم ويرفضون المشاركة في تحمل المسؤولية والإصلاح.
|
|
|
|
|
|
|
|
|