وصلنا إلى عسكرة الدبلوماسية وإلى حافة الهاوية في الحرب الأوكرانية |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#المغرّد
وصلنا إلى عسكرة الدبلوماسية وإلى حافة الهاوية في الحرب الأوكرانية
تزداد حدّة المواجهة بين دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) وروسيا في الحرب الأوكرانية التي تتوجّه نحو نقطة تحوّل قد تبدّل كامل المعادلة وتجعلها أكثر خطورة. التصعيد عسكري بامتياز رافقته لقاءات هذا الأسبوع لرؤساء الأركان في دول "الناتو" وأوكرانيا فيما صدر عن القيادات الروسية كلام مخيف حول الخيارات النووية، إذا فرضت التطورات ذلك. ومع اقتراب موعد مرور سنة على بدء حرب روسيا على أوكرانيا، ليس في الأفق أي بصيص أمل بحلولٍ سياسية وإنما هناك شبه عدٍّ عكسي نحو تحوّل الحرب بالنيابة بين روسيا و"الناتو" بقيادة الولايات المتحدة الى حرب مباشرة بين الطرفين بكل ما تعنيه هذه المعادلة. فلقد حشر كل طرف الطرف الآخر في زاوية الهزيمة في استراتيجيته العسكرية، لكن الأسوأ أن كلا الطرفين حشر نفسه في زاوية التراجع المستحيل ظناً منه أن الآخر سيضطر للتراجع. وهنا الخطورة. ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، قالها بصراحة مرعبة. قال إن "هزيمة قوة نووية في حرب تقليدية قد تشعل حرباً نووية"، وعلّق على دعم حلف شمال الأطلسي للجيش الأوكراني بأن "القوى النووية لا تخسر أبداً في صراعات كبرى يتوقف عليها مصيرها". الكرملين، من جانبه، أكد أن تصريحات ميدفيديف بأن هزيمة روسيا في أوكرانيا قد تؤدّي الى حرب نووية تتفق تماماً مع عقيدة موسكو النووية. قادة الدول الغربية سبق وسخروا من تصريحات مماثلة لميدفيديف الرئيس الروسي السابق، وقد يسخرون أكثر هذه المرة لأن الرئيس الشيشاني رمضان قديروف الذي يشارك روسيا في حربها على أوكرانيا بدوره قال مجدّداً إن "روسيا لن تسمح أبداً لنفسها بالخسارة في أي مواجهة، ويمكنها الضغط على الزر، والسلام عليكم"، في إشارة الى استخدام السلاح النووي. قادة الغرب يبدو أنهم على درجة من الثقة بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يجرُؤ على استخدام السلاح النووي لأن ذلك سيؤدّي الى إنهائه والقضاء على الجيش الروسي برمّته، وهم واثقون بأن فلاديمير بوتين سيتراجع. إنما المشكلة تبقى في قراءة شخصية هذا الرجل- ففلاديمير بوتين لا يُحسن التراجع ولن يقبل بالهزيمة. فماذا لو أخطأ القادة الغربيون في تقديراتهم؟ لماذا هذه الجولة من التصعيد أكثر خطورة من غيرها؟ الأسباب عديدة، على رأسها تعهّد الدول الغربية بالسعي جماعياً لتقديم مساعدات غير مسبوقة لأوكرانيا تشمل دبابات وصواريخ ومنظومات دفاعية تمكّن أوكرانيا من شن هجمات على أراضٍ روسية. موسكو اعتبرت هذه الأسلحة استفزازية وقالت إنها ستنقل الصراع الى عتبة جديدة، مشيرةً بالذات الى الأسلحة البعيدة المدى القادرة على استهداف عمق الأراضي الروسية. واشنطن أدخلت شبه جزيرة القرم الى المعادلة العسكرية مع روسيا وهي تدرك تماماً أن هذا سيثير حفيظة الكرملين الذي اعتبر ضم القرم الى روسيا من أهم إنجازاته. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكد أن بلاده تسعى لاستعادة القرم التي أعلنت روسيا ضمها عام 2014 وقال مخاطباً الغرب "هدفنا هو تحرير كل أراضينا... أعطونا أسلحتكم وسنستعيد أرضنا". واشنطن موافقة وهي ترى أن القرم تُغيّر ديناميكية الحرب الأوكرانية وتتطلّب مد الأسلحة الجديدة الى أوكرانيا.
بريطانيا، على لسان وزير دفاعها واستخباراتها العسكرية، لم تتعهد فحسب بإرسال المدرعات وآلاف الذخائر والصواريخ الى أوكرانيا وإنما كشفت عن جولات لدول الناتو، لتدريب الجنود الأوكرانيين. تعمدت أيضاً إبراز نشر دبابات روسية قتالية جديدة من نوع "تي-14 ارماتا" من ناحية مخاطرها على روسيا بسبب العراقيل والتأخير في إنتاجها وكذلك من ناحية كبرها وثقلها. فالحرب البسيكولوجية ترافق الحرب الميدانية. روسيا كانت تنوي شن استراتيجية هجومية ضخمة في الحرب الأوكرانية مع حلول منتصف شباط (فبراير)، فيما كانت أوكرانيا تنوي شن استراتيجيتها الهجومية في النصف الثاني من شهر آذار (مارس). دخول حلف "الناتو" باستراتيجية الدعم اللوجستي الضخم لأوكرانيا الآن يشكل تحدّياً مصيرياً لروسيا، لا سيّما لناحية تمكين أوكرانيا من استعادة شبه جزيرة القرم. ثم إن مع حلول منتصف آذار سيعود الجنود الأوكرانيون من التدريب في الدول الغربية، لا سيّما من الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وبولندا وغيرها. سيعودون بمعدات وذخيرة وتدريب واستراتيجية تفرض على الجيش الروسي وضعاً جديداً. هذا إضافة الى قرار البرلمان الأوكراني منتصف هذا الشهر بالسماح للأجانب بالقتال الى جانب الجيش الأوكراني في الحرب ضد روسيا. الأوساط الروسية تتحدّث عن سيناريو اتخاذ الإجراءات الوقائية preventive مع دخول الحرب الأوكرانية مرحلة جديدة تعتبرها موسكو نقطة تحوّل مصيرية. قمة "الناتو" العسكرية لرؤساء الأركان وضعت المؤسسة العسكرية وكذلك السياسية الروسية في حالة ذعر واستقواء على السواء. فالمؤسستان تدركان مواقع ضعف روسيا، وكلاهما يعي أن حلف شمال الأطلسي وقيادته الأميركية قد عقدت العزم على أن الخسارة الغربية في الحرب الأوكرانية ممنوعة منعاً باتاً. ولأن روسيا ستواجه وضعاً جديداً نوعياً، بدأ البحث الجدّي في خيار "الهجمات الوقائية" أي الخيار النووي- والكلام لم يعد حصراً عن استخدام النووي في ضربات تكتيكية داخل أوكرانيا حصراً. الكلام النووي توسَّع جغرافياً ونوعياً. وكما قال أحد الضالعين في هذا الملف، لم يكن الحديث الروسي عن طوربيد "بوسيدون" مؤخراً من قبيل الصدفة. هناك من يقول إن طوربيدات "بوسيدون" الذرية الروسية قادرة على إحداث تسونامي يضرب جميع دول الناتو بما فيها الولايات المتحدة وقادر على إغراق بريطانيا الى قاع البحر. فلاديمير بوتين كشف لأول مرة عنها عام 2018 وقال إن هذا السلاح نوع جديد من الأسلحة النووية الاستراتيجية "ولا يوجد سلاح يمكنه مواجهته في العالم اليوم"، ولقد وُصِفَ بأنه "سلاح يوم القيامة". الأسبوع الماضي، أعلنت موسكو إنتاجها أول دفعة من الرؤوس النووية لاستخدامها في غواصة "بيلغورود"، والسؤال يبقى: هل هذه خدعة شموخية تعظّم القدرات الروسية، أم أنها حقاً خطوة في إطار تنفيذ استراتيجية الإجراءات "الوقائية"؟ اللافت أن الولايات المتحدة وبقية الدول الأعضاء في حلف الناتو لم تعد خائفة من النزاع المباشر مع روسيا، بكل ما في ذلك من مغامرة نووية. قيادات الغرب تراهن، حسبما يبدو، على خوف بوتين من العواقب التي ستكون تدميرية له ولروسيا برمتها. المرعب هو أن مثل هذه السيناريوات هو صندوق مفاجآت. فإذا كان صندوق بندورا نووياً، ليس للحديث بقية. قد يكون كل هذا التصعيد مجرّد محطة في الحرب الأوكرانية تليه مفاوضات لوقف النار ثم تسويات سياسية. اليوم، يبدو هذا الاحتمال أضعف مع ازدياد انحسار الفسحة التفاوضية وتكاثف الفسحة العسكرية. فلقد تمّت عسكرة الدبلوماسية لربما الى درجة عدم القدرة على الرجوع عنها. وهنا الخطورة. هذا ما لم يكن في أذهان القيادات العسكرية سيناريوات وإجراءات ولغات جديدة في قاموس الوصول الى حافة الهاوية brink. القادة الغربيون لا يستهترون بقدرات روسيا وحلفائها، وأبرزهم بيلاروسيا والشيشان والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهم يحسبون حسابات الإجراءات الإقليمية لروسيا وحلفائها، وليس فقط الإجراءات "الوقائية" النووية. التحرك الدبلوماسي الأميركي في منطقة الشرق الأوسط هذا الأسبوع شمل الاحتياط من مغامرات إيرانية ومبادرات إسرائيلية وسعى وراء ضبط الوضع في دول مثل العراق. مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ناقش مع قادة إسرائيل "أوكرانيا وكذلك الشراكة الدفاعية المتنامية بين روسيا وإيران وتداعياتها على الأمن في منطقة الشرق الأوسط" كما جاء في بيان للبيت الأبيض. هذا مع تأكيد سوليفان ان الولايات المتحدة لن تسمح لإيران أبداً بامتلاك النووي. منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك قاد وفداً أميركياً رسمياً كبيراً الى العراق في لقاء هو الأول من نوعه مع رئيس الحكومة الجديدة محمد شياع السوداني المدعوم من إيران والذي كانت له تصريحات لافتة أكد فيها على حاجة بلاده الى القوات الأميركية في الوقت الحالي. هذا علماً أن "الإطار التنسيقي" أي التحالف الحاكم بالعراق له توجهات مختلفة ويتبنى موقف إيران الداعي الى إخراج القوات الأميركية من العراق- ومن هنا أهمية مواقف السوداني المغايرة. ولم يتردد الوفد الأميركي الرفيع في المطالبة بوقف تحويل الأموال العراقية الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تسعى واشنطن اليوم الى تطويقها اقتصادياً وسياسياً ونووياً. كل المفاجآت واردة في "صندوق باندورا" الأوكراني- فهذه حرب غيّرت ملامح العالم وهي تعد بالمزيد من الاستراتيجيات "الاستباقية" وتلك "الوقائية" اللاتقليدية والتي لم يكن لها حساب.
|
|
|
|
|
|
|
|
|