إجراءات مزدوجة ضد الثورة |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
تنفذ جهتان خطوات خطرة تضر بالثورة المطلبية لشعب لبنان. تأتي الاولى من جهة السلطة، عن سابق تصور وتصميم، وتأتي الثانية من اخطاء ما بات يُعرف بتنسيقيات الثورة. وفيما تُقدّم المصارف والمصرف المركزي المساعدة للسلطة، يتسبب الحماس الزائد، وعدم وحدة القيادة في الثانية .
عمدت المصارف منذ ان فتحت ابوابها، وبشكل غير مسبوق، الى تجاوز ومخالفة قانون النقد والتسليف اللبناني، بحجّة الاوضاع الطارئة، رغم عدم اعلان حالة الطوارئ في البلاد، والتي يفرض القانون إعلانها، ليجيز التدابير الاستثنائية، من وقف التحويلات، الى عدم تسليم الأموال لاصحابها، وفق تواريخ الاستحقاق، او غير ذلك . فلبنان الذي شكّل فيه القطاع المصرفي، المستند الى قانون ليبرالي واسع، رافعةً للاقتصاد الوطني، بدأ اليوم يُنفّذ انقلاباً خطيراً، قد ينسف هذا النظام المصرفي بالكامل. ويتسأل المراقبون لماذا ترفض البنوك تطبيق القانون، وتمتنع عن تسليم الأموال المستحقة، حتى بالليرة اللبنانية، دون ان تُعلن افلاسها؟ الم يكن الأجدى في حالة كهذه، ابقاء ابوابها مقفلة وتجنب مخالفة القانون؟ اما انها وبإيعاز من حاكم المصرف المركزي، تريد تضييق الخناق على المواطنيين، لكي يتم تحميل تبعة ذلك للثورة؟ اوليست الليرة اللبنانية متوافرة لدى المركزي والمصارف؟ ولماذا الامتناع عن تسليمها يا ترى؟ .
اما السلطة والتي أصبحت غائبة بالكامل، ولا تُصغي لصراخ الشعب ومعاناته، فلم تتخذ اي اجراء، وترمي بالمسؤولية على كاهل حاكم المركزي والمصارف، ولم تُصدر اي تعميم لتدارك الحالة المستجدة، ومعالجة المشاكل الطارئة. وكانت قد تقاعست سابقاً عن مكافحة المضاربات لدى الصيارفة، رغبةً منها على ما يبدو، في تخفيف الضغط على المركزي، والتمهيد لتحرير سعر الصرف، دون ان تتحمل الحكومة او حاكم البنك المركزي، مسؤولية ذلك .
لماذا لا تصدر الحكومة، قراراً بمنع التعامل بالعملات الأجنبية، في الاسواق اللبنانية الداخلية، كما هو معتمد في كل دول العالم؟. لماذا لا يتم إلزام الشركات والمؤسسات والبنوك والتجار، بالتعامل بالعملة الوطنية، وتسعير السلع بها؟ وكيف تسمح بتسعير بطاقات الهاتف لشركتي ألفا وأم تي سي بالدولار؟ اليست هذه النيوليبرالية للدولة المتفرجة، جزءاً من خطة تدمير الاقتصاد؟ وتحميل مسؤولية الانهيار للثورة والشعب؟
عند استقالة الحكوم، ووفقاً للدستور، ينعقد المجلس النيابي في دورة استثنائية، حتى تشكيل حكومة، ونيلها الثقة. وحتى اليوم لم نرَ جلسة واحدة، كما أن الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، مؤجلة الى امد غير معروف. وتُصرّ بعض أطراف السلطة، على التمسك بمواقفها القديمة، وكأن شيئاً لم يكن .
تنبهت الثورة ولو متأخرة، الى خطورة الاستمرار في قطع الطرقات، وان ذلك ينعكس سلباً على لقمة عيش المواطنين، اكثر من تأثيره على الحكام، وتنبهت الى لعبة الوقت التي تمارسها السلطة، والرهان على تراجع الزخم وأعداد المتظاهرين، وفي الحقيقة يظهر التراجع جلياً، ولأكثر من سبب. ولكن تنسيقات الثورة المبعثرة حاولت اعادة الدفع، وارتكبت خطأً جديداً، باستعمالها طلاب المدارس، فهؤلاء جيش تسهل قيادته، والإضراب والتظاهر يمكن اعتباره هواية الطلاب الفضلى، ولكن المغامرة بمسقبلهم، والعام الدراسي، هي لعبة خطرة، ستؤدي اذا تمادت، الى رد فعل من الأهل، الذين يحرصون بالدرجة الاولى على تعليم ابنائهم، في بلد يدفعون فيه القسم الأكبر من مداخيلهم، لهذه الغاية، بسبب فشل وشبه غياب التعليم الرسمي .
اما الخطأ الأكبر الذي ارتكبه قادة الحراك الشعبي، فهو التوهم بانهم الوحيدون على الساحة، وباتوا الآمر الناهي، وسيتمكنون ببساطة وفي غضون ايام، من ازالة كامل الطبقة السياسية، والأحزاب التابعة لها، واستلام الحكم. وحتى بعضهم بدأ بإصدار الاحكام، متجاوزين الدستور والقضاء، وحتى العدالة التي يطالبون بها. وهذا أعطى مبرراً للسلطة، لتجاوز القوانين والدستور، وعدم اتخاذ إجراءات سريعة لمعالجة الأخطاء، وأخذ البلاد الى دوامة الفراغ .
إن الحل الوحيد المتاح امام الجميع، هو الحرص على الدستور والقانون، والمطالبة بتطبيقه. فرغم كل الأحلام الوردية، إِلَّا أن مخاض الأصلاح، وإنتاج السلطة الجديدة، يكون بتطبيق القوانين، وليس بتجاوزها. والتغيير الحقيقي يحصل عبر صناديق الأقتراع، ونجاح الثورة يكون، بإنتاجها قيادة موحدة، تستند الى برنامج واضح ومحدد. ومن المهم لأي ثورة، أن تحترم تضحيات الآخرين، وليس ان تستعمل وتردد شعاراتهم، فيما تتنكر لتضحياتهم .
ليست المرة الاولى، التي تتم فيها المطالبة بالدولة العلمانية، والعدالة والمساواة، واعتماد الكفاءة، ومكافحة الفساد، وقانون الأثراء غير المشروع. فلقد طرح انطون سعادة العلمنة منذ ١٩٣٢، وثم رياض الصلح في بيانه الوزاري الاول، وكمال جنبلاط عام ١٩٤٩، وتبنى جنبلاط مع ريمون اده وغسان تويني ورفاقهم قانون الأثراء غير المشروع عام ١٩٥٢، وثم البرنامج المرحلي للإصلاح. وكلها عناوين نرددها اليوم، وهي حق لنا كلبنانيين، لكن السعي لتحقيقها، يجب ان يحفظ الوطن، ورجالاته الصالحين، ورموزه، وكذلك نضالات المقاومين، الذين فدوا لبنان بدمائهم، وحرروا الأرض من الاحتلال .
بين تلكؤ السلطة، واخطاء النرجسية والمشاعر، تعاني ثورة لبنان وتواجه تحديات عديدة، من الحفاظ على الوحدة والزخم، الى عدم الانجرار الى متاهة العنف، او الدفع بتسريع الأنهيار المالي والأقتصادي، الذي بدأ يلوح في الأُفق، ولعبة الوقت الخطرة والمضنية، كلها تفرض على الجميع، القبول بالممكن والبدء بمسيرة الأصلاح، وإقرار الحقوق المشروعة والمحقة للشعب، ضمن سياق الدستور والقانون، واحترام الرأي الآخر، والأستفادة من تجارب الإخرين، والتذكر انه حتى ديكتاتورية البروليتاريا سقطت، وقادت الى الفشل، فالديمقراطية رغم سيئاتها، ما زالت افضل اُسلوب للحكم.
|
|
|
|
|
|
|
|
|