أمراض عديدة تفتك بلبنان والتجار يمرحون |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
تنتشر عدوى المرض بسرعة، خاصة في البيئة الضعيفة والهشة، ويبدو ان اللبنانيين فقدوا مناعتهم منذ زمن، وباتوا اكثر المجتمعات عِرضة للمرض. تتكشف الفضائح واحدة تلو الاخرى ، حتى يتخيل اليك انه لا توجد مؤسسة واحدة في هذه الدولة المصون، خالية من الفساد والرشوة، وهدر المال العام. بدءاً من القضاء، الى الجامعة اللبنانية، والضمان الاجتماعي، وموظفين في مؤسسات لا تعمل، مثل سكك الحديد والنفط، وجيش من المستشارين، ووظائف التنفيعات، والمعلمين الذين لم تعد تتسع لهم المدارس الرسمية، التي تكاد تكون خالية من الطلاب، في ظل ما تعانيه من فشل تربوي مؤسف.
إضراب تلو إضراب، ورفض للمس بما يعتبره موظفو القطاع العام حقوق ومكتسبات لهم، وآخر الإبداعات، إضراب موظفي المصرف المركزي، الذين يتقاضون رواتب مرتفعة جداً، إضافة الى عدد من الخدمات والتقديمات، ويصرون على اعتبارها ليست من خزينة الدولة او مالها العام، فمن اين هي إذن؟ وتراجعت الحكومة فوراً عن بحث او ذكر موضوع رواتبهم، فكيف لا، وغالبيتهم دخل هذه الجنة، كونه محسوباً على هذه المرجعية او تلك . بالنسبة للبنانيين، فان الدولة مصدر رزق، لهم عليها حقوق عديدة، ولا واجبات عليهم، فهي البقرة الحلوب، وفق توصيف شهير لرئيس الجمهوري الأسبق المغفور له الياس الهراوي. ففي لبنان هناك عداء وخصومة موروثة، بين المواطن والدولة، فلا يشعر اللبنانيون بانها دولتهم، ولهذا أسباب عديدة، تبدأ بالنظام الطائفي، الذي يميز بينهم على الهوية، فيُسقط عنهم صفة المواطن، ليحل مكانها المذهب، وتسقط بذلك قِيَم العدالة والمساواة، وحتى ابسط قواعد حقوق الانسان. ويضاف الى ذلك، فساد المسؤولين واستغلالهم لمراكز السلطة، لتكديس الثروات ونهب المال العام، وكل هذا على مرأى من اللبنانين، فكيف بعد ذلك سينظرون الى الدولة ؟
اشتهر الفينيقيون بالتجارة، وترسخت عقلية التاجر في نفوس غالبية اللبنانين، الذين ما زالوا يفاخرون بفينيقيتهم. فتاجروا بكل شيء، حتى صار الوطن وكالات حصرية، فلكل سلعة في لبنان وكيل حصري، يمتص دم الشعب ويجني الأرباح بما يتناسب مع جيوبه، ويُصيب لبنان بجنون الأسعار، ليصبح من بين أغلى دول العالم. اما الضرائب، فيُعفى منها كبار القوم، وبدل اعتماد ضريبة تصاعدية على الأرباح، فرض عقل التاجر الحاكم والمتحكم، على العباد، ضريبة استهلاك، تطال الفقير والمعدم بنفس النسبة التي تطال فيها صاحب المليارات.
لقد بنى تجار لبنان، نظاماً رأسمالياً متفلتاً من اي قيد، لا مثيل له في العالم. فالقطاع العام قطاعات، والرواتب تحدد وفقاً لقدرة هذه الفئة او تلك على ابتزاز الحكام والمسؤولين، عبر الإضراب او التأثير الانتخابي، لا بل اكثر من ذلك، فالسنة في لبنان تمتد مع رواتب البعض لتصبح ١٦ شهراً.
والتوظيف يتم على قاعدة المحاصصة المذهبية ، والتبعية، او المصلحة السياسية ، بغض النظر عن الكفاءة او الحاجة. والأملاك البحرية والعامة، تم بيعها او توزيعها على الأزلام والمحظيين، حتى بات لا يوجد مكان صغير للعامة، على طول الشاطىء الممتد من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب. اما نظامنا المصرفي السري العظيم، والذي هو ملك لعدد قليل من اباطرة لبنان، يشمل ٧٢ مصرفاً، بينها ٥٦ تجارية و١٦ اعمال، ولها ما يزيد على الف فرع. تجني ارباحاً من توظيف أموالها تلك المفترض ان تكون مجمدة لدى المصرف المركزي بفائدة صفر بالمئة، بينما تم استثمارها كسندات دين او قروض للمواطنين ، ثم انها تفرض فوائد عالية عليها ، تتجاوز حدود ٢٠٪، بطريقة التفافية على القانون، الذي يمنع ان تتجاوز الفائدة نسبة ٩٪ على القروض الشخصية، و١٣٪ على القروض التجارية. وهذا لم نذكر بعد كماً كبيراً من الأموال الأجنبية المودعة، وترفض المصارف تسليمها لاصحابها، او دفع الفوائد عليها منذ سنوات، وتحرم الدولة اللبنانية من حقها في ذلك، وسنكشف تفاصيل هذا التهرب في الوقت المناسب، والذي يبلغ حجمه مليارات الدولارات. يتمسك دعاة ليبرالية القرن التاسع عشر في لبنان، بنظام رأسمالي بالٍ، في حين تحولت اهم الدول، من ارباب ذاك النظام، الى ما يشبه الاشتراكية الانسانية، التي دعا اليها كمال جنبلاط منذ منتصف القرن الماضي.
فمن فرنسا الى كندا وفنلندا وغيرها، اصبح التعليم والطبابة بالمجان، وحتى أنه يتم صرف رواتب للعاطلين عن العمل، وتُفرض ضرائب تصاعدية على الأرباح، تصل الى حدود ٤٥٪. اما في لبنان فكل شيء قابل للتجارة، حيث يمكن شراء مقعد وزاري، او نيابي، او مدير او اي منصب، او وظيفة. والتعليم تجارة رابحة، وكذلك الطبابة، والوكالات التجارية الحصرية، فكل شيء قابل للبيع ، فالاملاك العامة من بحرية وغيرها، تم الاستيلاء عليها، او بيعها بأثمان بخسة، مع العلم ان هذه الأملاك لا يمكن تملّكها بالتقادم، او مرور الزمن، او الاحتيال. وهذا يعني ان على الدولة استعادتها، وليس اجراء تسويات عليها، لحساب المعتدين والسارقين، فهل يمكن ذلك؟ ان جشع العقل التجاري، الذي يُبيح كل شيء، لزيادة الأرباح ومراكمة الرأسمال، يتحكم بدولتنا، ويستغل المواطنين من كل الفئات والمذاهب، ولا يرَ فيهم سوى اتباع، او قطعان يسوقها الى مسلخ مصالحه، ليستفيد بلحمها وجلدها، بعد ان استنفذَ لبنها وخيراتها، ان نظاماً كهذا ، لن يسعَ لاصلاحٍ في خدمة المواطن، بل سيعمل على توسعة جيوبه، وملئها بالمزيد. انه مرض عضال يفتك بلبنان وشعبه، لا نجاة لهم منه ولا خلاص، إِلَّا بثورة حقيقية، ومع تحياتنا لتلفزيون الجديد نقول معه نعم: بدها ثورة !!!
|
|
|
|
|
|
|
|
|