تركيا... بين الأسلمة والعلمنة! |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#الثائر
بعض المسؤولين في الإمبراطوريات البائدة، تراودهم أحلام نوستالجية، فيها الكثير من أوهام تدفع بهم إلى تعظيم حضورهم، فيكون الابتعاد عن الواقع والتحليق في المتخيَّل من ذاكرة مأزومة حالة نرجسية لا تعدم وسيلة للتعبير عن نفسها في مسارات سياسية ملتوية، خصوصا في الشرق المأزوم تاريخيا أيضا، وهذا حال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقد تماهي مع ماض دأب لاستحضاره بنسخة عصرية في نظام رئاسي، ليقدم نفسه سليل بني عثمان وأحد سلاطنتهم الجدد.
في محطات سابقة، بدا أردوغان وكأنه انساق في لاوعيه إلى استعادة حلم الدولة الطورانية Panturanism، فبات أسير "انتصارات" حققها منذ سطوع نجمه مستفيدا من أخطاء وتراكمات الأتاتوركية العلمانية، فحقق نجاحات في الاقتصاد مستفيدا من تجربة ماليزيا كدولة إسلامية حققت ثورة اقتصادية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ليعمد في مراحل متباعدة إلى إقصاء خصومه السياسيين، وآخرها القضاء على ما كان يعرف بـ "الكيان الموازي" التابع للداعية فتح الله غولن، خصوصا عقب الانقلاب العسكري الفاشل قبل نحو سنتين.
لا يمكن إسقاط هذه الاعتبارات إذا ما أردنا قراءة نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة في تركيا، فقد خسر أردوغان أنقرة و إسطنبول بما يشكلان من رمزية إدارية واقتصادية، فضلا عن أن المعارضة العلمانية حافظت على معقلها التاريخي في مدينة إزمير، وبدا واضحا أن حزبه "العدالة والتنمية"، وعلى مستوى الأرقام في مختلف الولايات التركية حقق فوزا هزيلاً، علماً أنه بعد فرز 99 بالمئة من الأصوات، حقق الحزب الحاكم الفوز في 40 من أصل 81 محافظة، وبإجمالي 44.95 بالمئة من البلدات، وهذا يعني أن أردوغان واجه عقبات انتخابية نادرة، بحيث لم تصبّ نتائج الانتخابات المحلية بالمدن الكبرى للبلاد في صالحه، ويعتبر ذلك بمثابة اختبار لشعبيته لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا، واعتراف أردوغان بأن الأمور لم تسر على النحو الذي أراده، يعكس حجم الخسارة في المدن الكبرى التي تمثّل الركائز الأساسية لقوة تركيا في المستقبل.
بغض النظر عن توصيف الانتخابات الأخيرة، تعيش تركيا اليوم صراعا بين الأسلمة والعلمنة، وما بدأنا نشهده من خاصرة الاقتصاد الذي ظل لفترات طويلة سلاح أردوغان الأقوى، نراه اليوم يتلقى ضربات موجعة، ما يؤكد أن تركيا تتوق للعلمنة والدولة الحديثة، وأنه لا يمكن تدجينها بتوجهات ثيولوجية، وهذا ما يجب قراءته، بعيدا من إسقاطات الماضي، بحيث لا يمكن استنساخ روح الإمبراطورية العثمانية في زمن يحكمه معيار العلم على ما عداه من تصورات إلهية!
|
|
|
|
|
|
|
|
|