متى نتخطى فضاء البداوة؟! |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#الثائر
– أنور عقل ضو
لنتفكر قليلا في واقعنا اللبناني الميؤوس منه، ولننظر إلى خواء يحاصرنا في السياسة والفكر والثقافة، ولنقل الأمور ولو لمرة واحدة بصراحة ودون مواربة من أننا محكومون بأوهام كثيرة، أقلها تصديقنا بأن لبنان ارتقى إلى مرتبة وطن، فيما نحن لم نتخطَّ حدود النوازع القبلية، كل جماعة تدين بالولاء لزعيم القبيلة، والوطن مجرد إطار ناظم لشؤون القبائل.
والحالة القبلية لا تعني البداوة كما نعهدها ونسيء فهمها، أي ليست قوافل متنقلة بحثا عن كلأ وماء وأفياء في واحة ظليلة فحسب، ومن ثم البداوة ليست متفلتة من قوانين وأعراف، وتحكمها منظومة من القيم والأخلاق والمناقب، ودائما يشار إلى البداوة على أنها شكل من أشكال الحياة البدائية، وفقا لظروف المكان ونمط العيش المرتبط بتربية الماشية، ما يقتضي التنقل من مكان لآخر طلبا لمقومات العيش والاستمرار.
مشكلة لبنان، تتمثل في أننا نعيش في بيئة حضرية، ويحكمنا في حدود كبيرة نظام القبيلة، وبمعنى أدق، نعيش بداوة مقنعة، وهنا يصبح الانتماء إلى فضاء الزعيم ونحن نردد "بالدم بالروح" شكلا من البدائية الأولى التي حكمت البشرية مع بداية تكون المجتمعات البشرية، بدليل أننا لا نسمع شعار "الدم والروح" في دولة متقدمة، ففي أوروبا والدول المتحضرة، يكاد المسؤول أو الزعيم السياسي يردد أن دمه وروحه في سبيل الجماعة، وقد أسقطت شعوب هذه الدول عن زعمائها هالة التقديس، ولو هتف أحدهم على سبيل المثال أمام الرئيس الفرنسي "بالدم بالروح نفديك يا ماكرون" لكان ألقي القبض عليه وحوكم بجرم التشجيع على العنف، أو بتحقير الذات، وأيضا لا يُستبعد اتهامه بأنه من النازيين الجدد، فمثل هذه "الهوبرة" كانت سائدة في زمن النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا وإسبانيا.
والمشكلة أيضا، أننا محكومون منذ زمن الاستقلال الصوري، بعنجهية ما تزال تحكم عقولنا، ونستذكر هنا، غوغاء "النضال" عندما كان أجدادنا وآباؤنا يرددون في تظاهرات في مواجهة الانتداب "باريس مربط خيلنا" عندما يدب فيهم الحماس، وهو حماس ضروري في لحظة انفعال، لا أن يتحول حالة مرضية نتوهم معها أننا أرقى بني البشر.
طالما أن ثمة من هو مستعد لتقديم دمائه كرمى لعيون الزعيم، فلا أمل في أن نبني دولة، والدولة ليست راية ونشيد وجيش ومؤسسات ودستور وأنظمة وسجون، الدولة فسحة حضارية محصنة بقيم ومبادئ فوق الأشخاص وأكبر من زعامات وطوائف ومذاهب، فمتى نتخطى فضاء البداوة؟!
|
|
|
|
|
|
|
|
|