تيار المستقبل وغموض الخيارات والدور المستقبلي لبهاء الحريري |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#المغرّد
كتب ظافر مراد يُنشر بالتعاون مع "الثائر"
أحدثَ قرار الرئيس سعد الحريري بالإنكفاء عن العمل السياسي صدمة كبيرة في المجتمع اللبناني، وهذه الصدمة أصابت الأخصام قبل الحلفاء، حيث أنهم اعتبروا أن المعلومات التي تحدّث عنها الإعلام قبل قراره هذا، لا تعدو كونها مناورة لشد العصب وتجييش الجماهير قبيل الإنتخابات.
يُعتبر هذا القرار خياراً سيئاً في مفهوم القيادة، فالقائد هو آخر من يترك ساحة المعركة، مثلما هو أول من يخوض القتال، وهذا ينطبق على القيادة السياسية أيضاً، وبالرغم من ذلك يمكن اعتبار هذا القرار جريئاً شجاعاً في مضامينه، وغير مسبوق في الواقع اللبناني الحالي، وهو قد أخلَّ بستاتيكو المنظومة السياسية التي تقبض على مفاصل الدولة، فهي وبالرغم من تناقضاتها وخلافاتها، إلا أنها تستند في علة وجودها على قوة أخصامها وحالتهم الوجودية. كما أن هذا القرار خطيرٌ جداً في دلالاته من الناحية الأمنية، وقد غمز الرئيس سعد الحريري في خطابه في شأن هذه النقطة، حيث اعتبر أن حرصه على منع الحرب الأهلية والمحافظة على الإستقرار الداخلي لم يكن خياراً منتجاً ومجدياً. وأدرك متأخراً أن قانون الغاب لا يسمح للغزلان بالرقص بين الذئاب.
اعتبر البعض أن الطائفة السنية، التي تشكّل معظم جمهور تيار المستقبل، قد وقعت في المحظور، وأنها في أضعف حالاتها السياسية والأمنية، وستتناتشها الأحزاب والإنتماءات الأخرى، وكان لافتاً في هذا الصدد زيارة فخامة رئيس الجمهورية للمفتي دريان، والتي تجاوزت البروتوكولات والأعراف، وطرحت علامات إستفهام حول مغزاها وجدواها.
وفي الحقيقة أن هذا الفهم لضعف الطائفة السنية مغلوط ولا يعبّر عن عمق ودراية لمفهوم القوة والحرية السياسية في هذا البلد الفسيفسائي. هناك الكثير من اللغط والضياع عند بعض المسؤولين اللبنانيين في فهم مبدأ القوة والحرية السياسية في لبنان، أو أنهم فعلياً يعبِّرون عن تمنياتهم وليس عن الواقع، فالحقيقة أن الحرية لا تعني فقط الاختيار الحر، بل تستوجب قبل ذلك وجود خيارات حقيقية متعدّدة ومتنوعة، فما نفع الحرية في الاختيار إذا لم يُترك لك سوى خيار واحد بين خيارات أخرى وهمية، ومن هذا المنطلق يُعتبر جمهور تيار المستقبل وليس فقط الطائفة السنية، هو الأقوى والأكثر قدرة على التغيير حالياً، فقد توضّحت الصورة أمامه وفتحت له الخيارات الواسعة، ولم يعد يلتزم بالخيارات التقليدية والمسارات العريضة لسياسات المقرر الواحد.
بعد إعتزال الرئيس سعد الحريري العمل السياسي، لمع نجم بهاء الحريري شقيق سعد، وذلك من خلال قيادته لحركة " سوا للبنان" والتي تنشط منذ فترة في العمل الاجتماعي في مناطق متعددة من لبنان، وبالرغم من أن حركته ناشطة منذ فترة طويله، ولديها خطاب واضح وصريح، إلا أن البعض اتهمه باستغلال الأُفول السياسي لأخيه للسيطرة على جمهور تيار المستقبل. وفي الحقيقة أن لهذه الحركة التي يقودها بهاء حظوظاً كبيرة في التغيير، وذلك من خلال نقاط القوة التالية: 1- لا يوجد لهذه الحركة او لقائدها أي سوابق في الفساد أو المشاركة في الصفقات السياسية وتقاسم المغانم والمحاصصة التي أهلكت إقتصاد البلد وأنهت سيادته. 2- تعمل هذه الحركة في بيئة سياسية تفتقد لقيادة جديدة بارزة تستطيع أن تشكّل نواة للتغير والإنطلاق بلبنان نحو رؤية وطنية ومستقبل أفضل، ويعتبر بهاء الحريري وبالرغم من الإنتقادات والإتهامات التي تطاله، هو الأكثر قوة وحظاً في إستلام زمام القيادة. 3- إن جمهور تيار المستقبل بمعظمه، والذي انتقد كثيراً سياسات تياره في التنازلات والاتفاقات غير المجدية وصفقات الفساد، سيجد نفسه تلقائياً يسير خلف هذه الحركة. ومن يعتقد أن جمهور تيار المستقبل سيغير قناعاته بمشروع رفيق الحريري، فهو مخطيء تماماً. 4- يخطيء من يظن أن كافة الأحزاب السياسية ستواجه هذه الحركة وتتعامل معها كعدو، فهناك الكثير من الجماهير ومناصري الأحزاب السيادية سيجدون أنفسهم وتلقائياً داعمين لطروحات هذه الحركة. 5- في ظل تورط الأحزاب السياسية بالفساد، ولو بدرجاتٍ مختلفة، وبسبب تغيير الهوية الايديولوجية للأحزاب العلمانية، يتوق اللبنانيون خاصة الشباب منهم، إلى مكوّن سياسي جديد يشكّل لهم إنتماءً حضارياً غير طائفي وغير مذهبي، يفخرون بالإنتساب إليه. 6- يعاني معظم قادة الأحزاب من تراجع ثقة مناصريهم بهم، وذلك بعد أن لمس المناصرون الفرق الشاسع خلال هذه الأزمة الإقتصادية في الظروف المادية والمعيشية بينهم وبين عائلات هؤلاء القادة وما هم عليه من ثروات وأملاك في الداخل والخارج. 7- إن معظم الأحزاب الحالية تفتقد للقدرة على التغيير، بالرغم من قناعة بعضها بضرورة ذلك، وتكمن المشكلة بأن أياً منها لا يستطيع المبادرة في هذا التغيير ودفع الآخرين على اللحاق به، والسبب انعدام الثقة بينهم، ومعرفتهم العميقة بمدى غرقهم جميعاً في مكامن الفساد، وأيضاً إنكشافهم على جماهيرهم قبل جماهير أخصامهم وأعدائهم. 8- تتهم بعض الأحزاب حركة " سوا للبنان" بأنها بدون مشروع سياسي وبدون رؤية مستقبلية، وفي الحقيقة فإن الطلات الإعلامية المحدودة لهذه الحركة، أوضحت مشروعها المستقبلي، بينما نرى معظم أحزاب السلطة الحالية أمست بلا مشروع وبلا رؤية لمستقبل لبنان. 9- من الواضح أن مشروع بهاء الحريري ينال دعماً عربياً ودولياً، ولو بشكلٍ غير مباشر، وهذا يعتبر أحد شروط نجاح التغيير، في بيئة داخلية معقدة وبيئة خارجية تنتظر هذا التغيير. 10- بدأت حركة " سوا للبنان" نشاطها الإنتخابي بزخم وقوة يفوق نشاط معظم الأحزاب السياسية، كون الأخيرة تتعامل مع مسألة الإنتخابات وكأنها غير حاصلة، وسبب هذا الزخم كثرة الوافدين عليها من نشطاء المجتمع المدني والشباب الذي يريد التغيير. بعد الحديث عن نقاط قوة "حركة سوا للبنان" يجدر الحديث عن نقاط ضعفها والمتمثّلة بغياب الشيخ بهاء عن الساحة اللبنانية، وإفتقاد الناس لحضوره الشخصي، كما أن طرح المشروع السياسي ورؤيته لمستقبل لبنان لم تتوضح بتفاصيلها وإجراءاتها التنفيذية، أضف إلى ذلك ضعف الأدوات الإعلامية والتي تُعتبر الأداة التنفيذية لعمليات التأثير في الجماهير، حيث أنها تشكّل ضرورة أساسية وأحد أهم عناصر قوة التغيير. ستثبت الأيام والإنتخابات المقبلة، إن حصلت، مدى قوة حركات التغيير وجدوى نشاطات ثورة 17 تشرين، فهناك الكثير من العمل ينتظرنا، والكثير من الأمل في قلوبنا. إن التغيير وتحقيق الإنتصار هو مسألة تتطلب الثقة والإيمان بقدرات الشباب، وبقوة الإرادة والتصميم والثبات على المواقف، والمعرفة والفهم العميق لكل عمليات الخداع والتسويق للغرائز الدينية والأيديولوجية والمناطقية. إن العالم ينتظر نتائج الإنتخابات ومشهدية القدرة على التغيير، ليقرر إذا كان هذا الوطن يستحق البقاء، وإذا كان شعبه يستحق العيش بكرامة وحرية.
|
|
|
|
|
|
|
|
|