الليرة والمصارف وسلامة في لعبة الصراع على الرئاسة! |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
شكّل طموح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ، الى منصب رئاسة الجمهورية، محور سياساته المالية، التي سعى من خلالها، الى تلميع صورته في اذهان اللبنانيين، فيما أدت هذه الاعمال، الى تدمير حقيقي للاقتصاد ومالية الدولة .
منذ مطلع آب 1993 عُيّن سلامة حاكماً لمصرف لبنان، بعد ان أقنعه رئيس الحكومة الراحل الشهيد رفيق الحريري بالتخلي عن منصبه في شركة «ميريل لينش»، والتي كان يعمل فيها منذ عام 1973. وكان يطمح حينها ان يصل الى مراكز عالية في الخزانة الاميركية، فتركها وجاء الى لبنان وعينه على كرسي الرئاسة، بعد انتهاء فترة الياس الهراوي التي تم تمديدها ثلاث سنوات لتنتهي عام 1998.
قُبيل الانتخابات الرئاسية في كانون اول 1997، قام رياض سلامة بالاتفاق مع الرئيس الراحل رفيق الحريري، بتثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار، على 1507,5 بعد ان كان قد وصل الى 2382 ليرة في آب 1992، وتمّ ذلك عن طريق رفع سعر الفوائد على الودائع بالليرة الى نسب تجاوزت 15%، فكان لهذه الخطوة نتيجتان، الاولى مباشرة وإيجابية، انعكست أرتياحاً لدى المواطنين، خاصةً العمال والأُجراء والموظفين، الذين ارتفعت قدرتهم الشرائية، وشعروا بلأستقرار، فزاد تأييدهم لسلامة بنسبة كبيرة جداً. أما النتيجة الثانية الغير مرئية، فكانت تدميرية، حولّت الاقتصاد الى ريعي بامتياز .
لم يعد اصحاب الودائع والرساميل بحاجة للاستثمار في الصناعة او غيرها، فهم اصبحوا قادرين على مضاعفة أموالهم، خلال خمس سنوات في المصارف، دون الحاجة للقيام باي عمل. وجاءت الودائع الى لبنان خاصة من المغتربين والسوريين والعراقيين وغيرهم، وأصبحت سياسة تثبيت سعر الصرف مع الفوائد المرتفعة، بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً بالنسبة للمودعين، وكذلك المصارف، والتي وظفت أموالها بسندات لدى المصرف المركزي، وحققت أرباحاً عالية. وكان المركزي يسدد فوائد الودائع من اصل المال المودع لديه، وليس من أرباح يحققها، بحيث استردت البنوك ودائعها خلال فترة معينة، وحافظت على ديونها للمركزي على الورق .
إن مداخيل الدولة اللبنانية من العملات الصعبة، تأتي من ثلاث مصادر، وهي الاستثمارات الأجنبية التي انعدمت مؤخراً، ثم اموال المغتربين، وتتراوح بين 7 الى 8 مليار دولار، والسياحة التي كانت تُدخل حوالي أربعة مليارات. ومع ارتفاع الرواتب، وزيادة الطلب على السلع الأجنبية، أصبحت الواردات بنحو 20 مليار دولار سنوياً، فيما الصادرات اقل من 3 مليار، وهذا جعل الطلب يزيد على الدولار، ويوقع لبنان في عجز وحاجة دائمة للعملات الأجنبية، وكان يتم إنقاذ الوضع عادة، عبر المساعدات الدولية، خاصة العربية، ومؤتمرات باريس واحد واثنان وثلاثة.
اعتمد لبنان سياسة نيوليبرالية، بمعنى الدولة غير المتدخلة، والسماح باقصى حرية في السوق، بحيث تم استثمار الأموال والقروض، في قطاعات غير إنتاجية، مثل البنى التحتية، والتربية، والصحة. وهذا جعل القطاع الخاص، يسيطر على الاقتصاد. وفي ظل الفساد، وعدم قدرة الدولة على جباية الضرائب، وفوضى المعابر، والتهرب الجمركي والتهريب، واتباع سياسة التوظيف الانتخابي في القطاع العام، دون مراعاة قاعدتي الحاجة والكفاءة، قادت هذه السياسة لبنان، الى فشل اقتصادي كبير .
لجأ رياض سلامة قُبيل الانتخابات الرئاسية في 2016 الى تقديم "رشوى" جديدة للمصارف، ومن خلفهم كبار المتمولين، خاصة السياسيين، تمثلت بما يُعرف بالهندسات المالية. فحصلت المصارف عبرها على أرباح، بثلاث طُرق، تمثلت الاولى بحصولها على فوائد الودائع لدى المركزي قبل تاريخ الاستحقاق، والثانية عبر تحويل هذه الودائع من ودائع بالليرة الى ودائع بالدولار، وصلت فوائدها الى 7% وأحياناً 10%، وثالثاً اعتبر المركزي هذه الودائع، من اصل قيمة الاحتياط الألزامي للمصارف لديه، والتي تكون عادةً بفائدة صفر بالمئة. وهكذا حققت المصارف ومَن خلفها، أرباحاً وصلت الى 5,6 مليار دولار، دون ان يصل سلامة الى سدة الرئاسة، التي تحكمها عوامل داخلية وخارجية عديدة .
سلامة الذي طالما نظر الى صورة سلفه الياس سركيس، المعلّقة على الجدار وهو داخلٌ الى مكتبه، وتمنّى أن يكرر تجربته في الوصول الى بعبدا. تجاهل أمرين، الاول ان سركيس لم يسعَ الى تحقيق ثروة خاصة له، على حساب الوظيفة كما فعل هو، ولم يُقدّم رشاوى مالية من خزينة الدولة للسياسيين، والثانية ان انتخابات رئاسة الجمهورية، لا تتم بالأقتراع المباشر من الشعب، بل من قِبل النواب، الذين تتقاذفهم المصالح والتيارات والتجاذبات الداخلية والخارجية .
الآن أصبح سلامة في مأزق، بعد ان مدد حاكميته للمرة الخامسة، رغم تعرضه للابتزاز، ورضوخه للضغوط والمساومات. وبعد ان وصل لبنان الى شفير الهاوية، بسبب سياسات الحكومة، وتريث الدول الغربية في إنقاذه، وهناك من يشبّه اوضاع لبنان، بوضع الدولة العثمانية في آخر أيامها، في نهاية القرن التاسع عشر، وسلامة طبعاً لا يرغب ان يُنهي حياته المصرفية، ويدمر صورته كافضل مصرفي وحاكم، بشكل دراماتيكي، ليتحول بعدها في كتب تدريس الاقتصاد، كتجربة فاشلة، قادت لبنان الى الانهيار والإفلاس، نراه يحاول شراء الوقت، بإجراءات التضييق على المصارف والمودعين، وهو العالم ان الفرج لن يحدث، مالم تدفع الدول المانحة بأموال سيدر الموعودة، او بدء استخراج النفط. وهناك من اقترح، ان يبدأ لبنان، الأستثمار والأستفادة من ذلك، عبر إصدار سندات النفط، وهو في الحقيقة حلٌ وارد وممكن .
يبلغ الاحتياط الرقمي بالعملات الصعبة في مصرف لبنان 38,5 مليار دولار، ومع الذهب المودع في ولاية كنتاكي الأميركية، يُصبح حوالي 50 مليار. لكن الحاكم يعرف أن المبالغ الحقيقية، القابلة للتصرف، هي اقل بكثير، ولا تزيد عن 12 مليار، وامام عجز الميزان التجاري اللبناني، وتراجع المداخيل بالعملة الصعبة، سيكون الانهيار النقدي حتمي، وكل خطوة هي بمثابة لغم قد ينفجر .
إن منع التحويل الى الخارج، وعدم إعطاء الصرافين والتجار مبالغ كافية من الدولار، سبّب حالة من الهلع، وخلق من جديد سوق سوداء في لبنان، ودفع المواطنين الى تخبئة كم كبير من الدولارات في منازلهم، وبدأت خطوات الحاكم، تعصر الليرة اللبنانية، وتزيد الخوف، وتُهرّب الودائع، وتهز الثقة بالقطاع المصرفي، ما بات يهدد الوضع النقدي برمته.
فهل يحافظ سلامة على صورة الحاكم المثالي العبقري، او تتحول الى كابوس، تُسقطه من سجل العظماء، بعد إتمانه على السياسة النقدية، وتربّعه اكثر من ربع قرن، على عرش حاكمية مصرف لبنان؟ .
|
|
|
|
|
|
|
|
|