هكذا اصبح المستحيل ممكناً |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
ماذا جرى حتى تغيرت المواقف بهذه السرعة المفاجأة، وكيف اصبح المستحيل ممكناً خلال ساعات؟ لقد ذكرنا في مقالنا السابق، ان الأزمة ليست مرتبطة بحادثة معينة او شخص محدد، وأنها ليست محلية بقدر ما لها بُعد إقليمي، ومرتبطة بمؤثرات خارجية، تتجاذب هذا الوطن الصغير لبنان. وقلنا ان الحل سيأتي عندما يحين الوقت، وفقاً لعقارب الساعة الدولية، وترتفع معه الابتسامات، وتخمد النيران، وينتصر كل طرف على هذه الدولة، بصيغة التوافق المعتادة، لا غالب ولا مغلوب.
رغم ان البعض اعتقد ان الأزمة وصلت الى طريق مسدود، كان بيانٌ واحدٌ كفيلاً بإنهائها، وجمع أطراف النزاع في قصر بعبدا. فبعد ان اعلن الرئيس بري انه أوقف مبادرته، إثر اعلان الرئيس عون انه ليس بشيخ صلح، وتغريدة وليد جنبلاط التي بدت بمثابة قطع شعرة معاوية مع رئيس الجمهورية، وتصلّب طلال ارسلان في مواقفه الرافضة لأي صلح قبل احالة ملف البساتين الى المجلس العدلي، ووقوف حزب الله خلف ارسلان بشكل كامل، تبدّل المشهد وكل العقد تم حلها بسحر ساحر .
يقول احد المطلعين، ان ما خفي من بيان السفارة الاميركية هو الجزء الأهم، فإذا كانت السفارة طلبت ظاهرياً حل الأزمة، وضرورة قبول جميع الأطراف بمحاكمة عادلة في القضاء العادي لحادثة البساتين، دون الإشارة الى المجلس العدلي، بما يُشبه رفض هذه الإحالة، التي يمكن ان يتم من خلالها استهداف زعامة وليد جنبلاط . إِلَّا ان السفيرة الاميركية وأطراف أوروبية، ابلغوا الجميع، انهم يرغبون بدعم استقرار لبنان، ولكن الوقت بدأ يضيق، والخيار يجب ان يتخذه الافرقاء اللبنانيون بسرعة وفي غضون ايام. فإمّا حل الأزمة وإعادة اطلاق عجلة الدولة والمؤسسات، وإمّا ضياع اموال سيدر الموعودة، وخفض التصنيف الأتماني للبنان، في الموعد المحدد قبل نهاية الشهر الحالي، وما سيتبع ذلك من عقوبات، قد تطال بعض المسؤولين المقربين من حزب الله او حالفائه. وبالتالي يكون لبنان قد وُضع على حافة الهاوية، كما انه ليس خافياً ان الولايات المتحدة، لن تسمح في هذه المرحلة، بإحكام قبضة ايران على القرار السياسي والدولة في لبنان، من خلال سيطرة حلفائها، وكسر فريق ١٤آذار، وفي مقدمتهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي. هذا إضافة الى الإشارات التي أرسلتها روسيا، أكان مباشرة بما تم تسريبه في الاعلام، من رسائل وُجّهت الى القيادة السورية، او ما أُعلن عن استعداد موسكو لاستقبال وليد جنبلاط واحتمال لقائه الرئيس بوتين. واذا كان يبدو ان جنبلاط خرج رابحاً، حيث ازداد حوله الالتفاف الشعبي، وأعيدت اللحمة الى علاقته مع الحلفاء، وتلقى دعماً دولياً، فان الرابح الحقيقي هو لبنان الذي تم انقاذه، وكذلك العهد الذي رعى المصالحة الدرزية، وأعاد اطلاق عجلة الدولة .
لقد كان الكلام الاميركي حاسماً بما يكفي، لجعل المسؤولين اللبنانيين يشعرون بحجم الخطر الداهم، وان لا وقت لديهم للمناكفات والغنج، فالمركب سيغرق بجميع من فيه، وعندها سيكون الخلاص شبه مستحيل. لهذا كانت هذه الانعطافة، ورغم المآخذ على انها أتت نتيجة تدخل خارجي، إِلَّا ان الحقيقة ان حسَّ المسؤولية عن مصير هذا الوطن، هو الذي انتصر، ولو في اللحظة الاخيرة. وجعل الجميع يُقدّم التنازلات، ليلتقي الجميع على مبدأ إنقاذ البلد، وعدم المغامرة بمصير الدولة والشعب. فترفّع الجميع فوق الضغائن والكلام الجارح والإساءات، وتوافقوا على حل جاء بمثابة معايدة لطيفة لكل اللبنانيين، ولأهل الجبل بشكل خاص، على امل ان يستمر منطق الحوار الهاديء، وتنطلق ورشة الاصلاح والعمل الموعودة، لعلنا نشهد ما يضمن ويُحقق حقوق جميع اللبنانيين، بمختلف فئاتهم ومذاهبهم، بعيداً عن لغة التعصب المذهبي والطائفي. فالدولة المدنية الحديثة، التي تسودها لغة القانون والعدل والمساواة، كفيلة وحدها بحفظ حقوق جميع المواطنين، وتجنيبنا الأزمات والحروب، التي اعادت لبنان سنوات الى الوراء، وجعلته في مصاف الدول المتخلفة من نواحٍ عديدة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|