حل مرتقب للازمة |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
في المشهد العام فإن الأزمة بلغت الذروة، وباتت الحلول مستعصية، وكل طرف يريد تحميل الطرف الآخر مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي القادم على لبنان. لا بل اكثر من ذلك، فإن الانقسام بدأ يستعيد لغة الحرب والشحن الطائفي والمذهبي وهواية الالغاء والكسر، التي يراها البعض سبيلاً وحيداً للخلاص. يعتقد قسم من اللبنانيين اننا وحدنا على هذا الكوكب، ويرى أننا قادرون على إدارة سياسة العالم، بل وكسر اعتى جيوشه، ببضعة بنادق وصواريخ. ونسمح لانفسنا بتوجيه التهديد والوعيد، ونُعطي النصائح لروسيا واميركا والعرب وغيرهم، متناسيين ان من يعاني هو هذا الشعب الذي جعلوه يسمع بِأُذنٍ واحدة، ويرى بعينٍ واحدة، رغم ان له اثنتين اثنتين، ويتكلم بعدة السن، رغم انه يملك لسان واحد.
انقسم اللبنانيون الى فريقين، كادا يعيدان مشهد الحرب الأليمة، فاتجه وليد جنبلاط الى الوسطية ، تاركاً فريق ١٤ آذار، بعد ان رأى ان الانقسام بات يهدد مستقبل لبنان ووحدته، وقد يؤدي الى اندلاع العنف والوصول الى ما لا تُحمد عقباه، خاصة بعد احداث السابع من ايار، او ما سُمّي بغزوة بيروت، ونجح في لعب دور الاطفائي الذي جنّب لبنان كارثة كانت شبه حتمية. ثم وبعد اشتداد أزمة انتخابات رئيس للجمهورية، اقدم الرئيس سعد الحريري على اجراء ما اعتبره البعض تنازلاً، معلناً القبول بسليمان فرنجية مرشح قوى ٨ آذار للرئاسة، لنشهد بعدها قفزة اخرى لسمير جعجع معلناً ترشيح العماد ميشال عون، فتمت بعدها التسوية الشهيرة واصبح لدينا رئيس، وتنفّس اللبنانيون الصعداء، لكن أمضينا حتى الآن النصف الاول من ولايته في المناكفات والتعطيل.
لقد انتصر سياسيو لبنان على الدولة، وتمكنوا من إقناع الغالبية من المواطنين، ان تعيين موظف من هذه الطائفة او الحزب من اتباعهم في موقع ما، يُشكّل انتصاراً وتحصيلاً لحقوق هذا المذهب، حتى ولو تم ذلك على حساب الكفاءة والعدالة والمساواة، فمصلحة الحزب اهم من مصلحة الدولة، والمصلحة الشخصية اهم من المصلحة العامة، والتحالفات الإقليمية ومصالح الدول الحليفة، اهم من مصلحة لبنان .
ان اللبنانيين مستعدون دائماً للحرب بغض النظر عن النتائج، فالمسؤولون لديهم ما يكفي من اموال ومواكب لحماية أنفسهم، واما دماء وأموال الشعب فهي وقود في معاركهم، يستخدمونها غب الطلب، وهم لا يكتفون بعناصر المواكبة التي تقدمها لهم الأجهزة الأمنية، بل لدى كل وزير او نائب او مسؤول عناصر أمنه الخاص، الذين يقطعون الطرق على المواطنين لمرور معاليه وسيادته، وحتى يمكن ان يطلقوا النار يميناً ويساراً او يصدموا سيارتك لو صادف مرورك امام موكبه العظيم، فاحذروا أيها اللبنانيون المواكب، فهي فوق المساءلة واصحابها فوق الدولة والقانون، ولا يمكن محاسبتهم او حتى الاستماع الى إفاداتهم في القضاء، إِلَّا وفقاً لما يرتأيه ويحدده الزعيم، اما القوانين التي تمنع اطلاق النار وترويع المواطنين، فهي تُطبق فقط وحصراً على الاشخاص غير الحزبيين، اما مبدأ الدفاع عن النفس، الذي يسمح للشخص بالرد بما يتناسب مع حجم الخطر والتهديد الذي يطال حياته، فلقد اصبح مع شرع المواكب ان يختبئ المواطن كي لا يدفع ثمناً غالياً ويذهب دمه هدراً .
يقول احد المسؤولين في مجالسه الخاصة، ان هذا الكلام يعرفه معظم المواطنين ويُقرّون به، لكن بعد ما شهدناه من تصريحات ومناظرات واحداث، عطلت الدولة وقفزت فوق مصالح الشعب، لتنفيذ غايات وتحقيق انتصارات شخصية، لا بد من الإيضاح انها ليست كما تبدو عليه، من ارتباط بهذا المسؤول او ذاك او بحادث معين، بل هي ابعد من ذلك في بُعدها الإقليمي، حيث تحولت الى صراع على الإمساك بالقرار السياسي في لبنان، في ظل الأزمات الدولية التي تعصف بالمنطقة .
وليس خافياً انه بعد العقوبات الاميركية على ايران واشتداد الصراع في الخليج، باتت الجمهورية الاسلامية تدفع باتجاه التصعيد، بغية الوصول الى حل، ولا يمكنها الآن ان تتخلى عن الأوراق التي تُمسك بها، من العراق الى سوريا ولبنان وفلسطين، فهي غير راغبة في ان تعاني بصمت تحت وزر العقوبات. وقد ادركت جيداً، ان الرئيس ترامب غير راغب في الدخول في مواجهة عسكرية الآن، وانه يراهن على اخضاع ايران اقتصادياً، والاستفادة قدر الإمكان من هذه الأزمة، في بيع السلاح، وتوظيف قواته البحرية لتأمين الملاحة في الخليج، على ان يتقاضى الأموال لقاء ذلك، فيكون قد حقق عدة مكاسب. اولها اضعاف ايران وإنهاكها اقتصادياً، وثانياً تبرير عمليات بيع الاسلحة لدول الخليج، وثالثاً فرض وجود عسكري مدفوع الأجر في منطقة الخليج، وسيصب هذا كله في مصلحته في الانتخابات الرئاسية المقبلة .
ولكن ما يتجاهله اللبنانيون، انهم ليسوا اكثر من ورقة مساومة في يد هذا الطرف او ذاك، وان خلافاتهم وحروبهم الداخلية، قابلة للتمويل الخارجي، وفقاً لمصالح تلك الدول وحساباتها. ورغم ان اللبنانيين اختبروا ذلك على مدى أعوام، إِلَّا انهم لم يستفيدوا من التجارب، وما زالوا مستعدين لاستخدام هذا الشعب وقوداً لحروب الآخرين، غير آبهين بما قد يلحق بلبنان من دمار وخراب او ضحايا. ورغم علم واعتراف الجميع بحجم الأزمة الاقتصادية وقرب الانهيار، اذا لم تُتخذ الإجراءات اللازمة، وإقدام معظم المسؤولين والمتمولين على تحويل أموالهم الى العملات الصعبة، وتحويل قسم كبير من ودائعهم في ايار الماضي الى الخارج، ما زالوا يتلهون في صراعات لا طائل منها ويحاولون خداع الشعب، والمقامرة بمصير الوطن. ويبدو اننا سنشهد المزيد من المناكفات والخطابات، وسننتظر طويلاً حتى يتضح المشهد الإقليمي، ويأتي الحل المرتقب، بعد ان يقتنع البعض منّا، بانه في لبنان ينتهي الصراع دائماً بصيغة لا غالب ولا مغلوب، وتتم المصالحات وتعلو الابتسامات على وجوه المسؤولين، والسلام على من خسر ماله او قضى نحبه أيها الشعب الكريم .
|
|
|
|
|
|
|
|
|