السيناريو القادم في لبنان |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#الثائر
- اكرم كمال سريوي
لم يعد سراً اننا في خضم الأزمة الاقتصادية والمالية . وان يُصرح رئيس الحكومة، ان لبنان قد يشهد ما حدث في اليونان، فهذا ليس كلاماً عابراً، بل حقيقة يجب التوقف عندها بترويٍ.
بدأت الأزمة اليونانية عام ٢٠٠٩، وأُعلن حينها ان الدين العام يُقدّر ب ٣٠٠مليار يورو، وفي عام ٢٠١٢ أُعلن انه بلغ ٥٠٠ مليار، وبلغت خدمة الدين ٢٢مليار. وعندما تم تشكيل لجنة، تم تحديد الدين ب ٩٤٨ مليار يورو، اي ما نسبته ٤٠٠٪ الى الناتج القومي، واستغرق حل الأزمة عشر سنوات، بمساعدة الاتحاد الاوروبي والبنك الدولي. وقامت اليونان خلالها باجراءات تقشفية قاسية، من بينها تخفيض عدد واجور العاملين في القطاع العام، وزيادة الضرائب، وتخفيض النفقات الحكومية.
كثيرة أوجه الشبه بين أزمة لبنان واليونان، خاصة لناحية الأسباب، بدءاً من الفساد الإداري، الى ارتفاع كلفة الدين، والقطاع العام، وعدم اتخاذ خطوات عملية للإصلاح. وربما لهذا السبب يعتقد البعض، انه يمكن اتخاذ ذات الخطوات الانقاذية التي اعتمدتها اليونان، لكن الحقيقة غير ذلك لان أسباب الاختلاف ايضاً كثيرة.
فلبنان ليس عضواً في الاتحاد الاوروبي، ولن يندفع الاتحاد لإنقاذه. ثم ان لبنان ولأسباب سياسية، دخل في علاقة متوترة مع الدول العربية، التي يمكن ان تقدم له المساعدة خاصة المملكة العربية السعودية. كما ان الشعب اللبناني غير مستعد للمساهمة في إنقاذ دولة، يعتبرها فاسدة، وهو في الحقيقة يفتقر الى حسٍّ المواطنية الصحيحة، بسبب النظام الطائفي الذي جعله فئات وشراذم متناحرة.
اما المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية، التي تفرض عقوبات على حزب الله ، وبعض الشخصيات اللبنانية، وتريد اغراق لبنان في الديون والأزمات، لفرض شروطها عليه ، وإجباره على القبول بما ترسمه للمنطقة ، مقابل انقاذه. فماذا يمكن ان يفعل لبنان ؟
ستعمد الحكومة اللبنانية الى إقرار موازنة تقشفية، وستكون كافة القوى السياسية مجبرة على قبولها، لان الخيارات محصورة، فإما التقشف وأما الانهيار. ففي تموز القادم يستحق دين مؤتمر باريس ٢ بمبلغ ١٢مليار دولار، ولا يمكن للدولة سوى طلب تمديد فترة الدين، او تدخّل مصرف لبنان لدفع المبلغ. ويخطط مصرف لبنان للطلب من المصارف، ان تودع لديه مبلغ ٧ مليارات دولار دون فائدة، باعتبار ان المركزي كان قد أعفى سابقاً المصارف من هذا المبلغ، الذي يفرضه عليها القانون، كاحتياط إلزامي. وسمح لها باستخدامه في قروض الإسكان، وهي تتقاضى أرباح الفوائد على هذه المبالغ منذ عشرين سنة، وكذلك لقد احتسب المصرف المركزي ، سندات بقيمة ملياري دولار، اشترتها البنوك، خلال عملية الهندسة المالية، على انها من اصل مبالغ الاحتياط، المتوجبة عليها. مع العلم ان المصارف تتقاضى عليها فوائد سنوية بنسبة ٧٪ .
واذا ما استعاد المركزي حقوقه هذه، من المصارف، يكون قد نفذ خطوة إنقاذية هامة لمالية الدولة. لكن جمعية المصارف تعارض ذلك بشدة ، وتطالب بإلغاء سلسلةالرتب والرواتب، قبل ان تقدم هي الأموال . وبالطبع ستقوم الحكومة، بتخفيض النفقات، في عدة أماكن، كثُر الحديث عنها، وباتت معروفة. لكن الأهم هو الاقتطاع، او تجميد قسم من رواتب الموظفين، بدءاً من الوزراء والنواب، وهذا يواجه معارضة شعبية، قد تتحول الى ثورة غضب في الشارع، تُطيح باي اصلاح مرتقب.
ولهذا السبب سوف يتم تجنب المساس برواتب الموظفين حاليا ً، ويتم الاكتفاء بتخفيض التقديمات الإضافية، بانتظار ان تفي الدول المانحة بوعودها ، وتقدم ما وعدت به في مؤتمر سيدر ، مما يساهم في اعادة تحريك العجلة الاقتصادية في البلاد، وزيادة مداخيل الدولة. لكن الغريب ان الدولة لا تحاول اعادة النظر بالاتفاقات الاقتصادية المعقودة، والتي تضر بمصلحة لبنان. فان اتفاقات الإعفاء الضريبي مثلاً ، مع معظم الدول ، تحرم الخزينة من مبالغ مالية هامة. فما معنى المعاملة بالمثل، اذا كان لبنان يُصدّر بقيمة ٢-٣ مليار دولار، ويستورد بقيمة ١٨ الى٢٠ مليار دولار ؟ كما ان سيطرة التجار، ما زالت واضحة على الرؤية الاقتصادية للحكومة، التي منذ بداية اعادة الإعمار ، تستثمر في قطاعات غير منتجة، وتُهمل القطاعات الإنتاجية، خاصة الصناعة. وان استمرار تحكم الهيئات الاقتصادية، في توجيه السياسة الحكومية، سوف يؤدي الى مزيد من الضغوط المالية على لبنان، وسوف يكون أمامنا في العام القادم ، خياران فقط ، إمَا تحرير سعر صرف الدولار ، وتحمّل محاذير هذه الخطوة، واما المزيد من إجراءات التقشف ، وتخفيض الأجور، وعدد الموظفين، لان لبنان لا يستطيع القبول بالشروط الاميركية، المطلوبة للحل الشرق أوسطي. كما ان اية إجراءات، مهما كانت قاسية ، تبقى افضل من اعلان افلاس الدولة ، وتسليم ادارتها للبنك الدولي .
|
|
|
|
|
|
|
|
|