الراعي: عندما نقرأ في مقدمة الدستور أن لبنان وطن نهائي لكل أبنائه نعلن إيماننا بلبنان كوطن مطلق وننفي الولاء لأي بلد آخر |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#الثائر
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد على مذبح الكنيسة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي "كابيلا القيامة"، عاونه فيه المطرانان حنا علوان وبولس عبد الساتر ولفيف من الكهنة، في حضور وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان، فادي سنان ممثلا وزير الصحة جميل جبق، ايلي كيوان ممثلا وزير المهجرين غسان عطاالله، النائب سامي الجميل ممثلا بلينا الجلخ، قائمقام كسروان -الفتوح جوزف منصور ممثلا محافظ جبل لبنان محمد مكاوي، المدير العام للجمارك بدري ضاهر، العميد الركن جورج حايك ممثلا قائد الجيش العماد جوزاف عون، العميد جوزف توميه ممثلا المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، العقيد بيار براك ممثلا المدير العام لأمن الدولة اللواء انطوان صليبا، حشد من الفعاليات السياسية، العسكرية، النقابية، الكشفية، الأخويات والمؤمنين من مختلف المناطق اللبنانية إضافة الى عائلة جمعية جاد شبيبة ضد المخدرات.
العظة
بعد الانجيل المقدس، ألقى البطريرك الراعي عظة بعنوان: "إيمانك خلصك... يكفي أن تؤمن فتحيا ابنتك" (لو8 : 48 و 50)، قال فيها: "1. في آيتي شفاء المرأة التي كانت تعاني نزيفا منذ اثنتي عشرة سنة، وإحياء الصبية ابنة يئيرس من الموت، ظهرت قدرة الإيمان بالمسيح، وقوة المؤمن الذي يرجو ضد كل رجاء (روم 18:4). فللمرأة الفاقدة كل أمل بالشفاء، بعد إنفاق كل مقتناها على الأطباء من دون جدوى، والتي لمست طرف ثوبه بنية أنها تنال الشفاء، فتوقف للحال نزيف دمها، قال: يا ابنتي، إيمانك خلصك! إذهبي بسلام (لو 48:8). وليئيرس الذي بلغ خبر وفاة ابنته ولا حاجة لإزعاج المعلم، قال الرب: لا تخف! يكفي أن تؤمن، فتحيا ابنتك (لو 50:8). 2. يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية، التي نجدد فيها إيماننا بالمسيح، راجين أن يكون قويا وثابتا بالرغم من كل المصاعب وخيبات الأمل، على مثال المرأة ويئيرس. ويطيب لي أن أرحب بكم جميعا وبخاصة بجمعية جاد - شبيبة ضد المخدرات التي شاءت إحياء عيد الأمهات في هذه الذبيحة الإلهية، من أجل دعم أمهات المدمنين المعذبين، من خلال حملة منظمة من الجمعية طوال هذا الشهر تحت عنوان: إذا مش كرمالك كرمالها. إن جمعية جاد تعمل مشكورة في هذا الحقل منذ ثماني وثلاثين سنة مليئة بالعطاء. فنحن نحييها وكل المتطوعين فيها بكثير من التقدير والامتنان. وشاءت في المناسبة تكريم أمهات لهن الفضل الشخصي المباشر أو بواسطة أفراد من عائلاتهن في مكافحة المخدرات ومساعدة المدمنين على التخلص منها. فإني أعرب للأمهات عن شكري العميق مع أخلص التهاني والتمنيات بعيدهن. وأوجه تحية شكر وتقدير للمديرية العامة للجمارك لإنجازاتها على صعيد مكافحة المخدرات وضبط الملايين من حبوب الكبتاغون وسواها من المواد المخدرة التي تفتك بشبيبتنا، وللأجهزة الأمنية الناشطة في مكافحة بؤر متعاطي المخدرات وتجارها ومروجيها ومهربيها. إن الحرب الجديدة اليوم هي اصطياد شبيبتنا بالمخدرات وهدم أخلاقيتها ونضارتها وطموحاتها والقضاء على حياتها. فإنا نوجه نداء حارا إلى المسؤولين وندعمهم في مهمتهم الإنقاذية ليكثفوا وسائل مكافحة المخدرات من دون تغطية أحد، وإلى الوالدين للسهر على أولادهم، وللمربين في المدارس والجامعات لتوجيه الشبيبة وحمياتها من هذه الآفة المميتة. ولا يسعني إلا أن أستحضر روح مؤسس جمعية جاد المرحوم الأب بنوا سكر، الراهب اللبناني الماروني، الذي يعضد الجمعية بصلاته وتشفعه أمام العرش الإلهي. اننا نرحب بيننا ايضا بمسؤولي اخويات الفرسان في نيابة جونيه البطريركية مع مرشدهم الخوري هادي زغيب. 3. لقد آلمتنا جدا، كما الكثيرين عندنا وفي العالم، مجزرة المسجدين في نيوزيلندا التي ذهب ضحيتها تسعة وأربعون شخصا من الإخوة المسلمين الذين كانوا في واجب الصلاة إلى الله، ومن بين القتلى نساء وأطفال، اضافة إلى خمسين مصابا، بينهم عشرون في حالة خطرة. إنها مجزرة وحشية ندينها أشد الإدانة. ونعرب عن تعازينا الحارة لأهالي الضحايا وللشعب النيوزلندي والمسؤولين. نصلي من أجل شفاء المرضى وتهدئة الخواطر ومعالجة الموضوع بالعدل والوعي والروية وبعدم ردات الفعل التي تسيء الى كل مؤمن بالله. 4. الآيتان الإنجيليتان، آية شفاء المرأة من نزيفها، وآية إحياء الصبية إبنة يئيرس، تكشفان لنا وجهين من الإيمان: الوجه الأول هو الإيمان الصامت لدى المرأة المنزوفة، ولكنه الناطق بمبادرة لمس طرف ثوب يسوع بنية نيل الشفاء من قدرة المسيح. هذا يعني أن الإيمان ليس بالكلام بل بالقلب والنية، على ما قال الرب يسوع: ليس من يقول لي: يا رب، يا رب، يدخل ملكوت السماء، بل من يعمل إرادة أبي الذي في السماء (متى 21:7)؛ وفي موضع آخر قال: هذا الشعب يكرمني بشفتيه وقلبه بعيد عني، فباطلا يعبدونني (متى 15: 8-9)؛ وثمة كلام إلهي آخر يقول: يا بني، أعطني قلبك (أم 26:23). النية هي الأساس في الإيمان والصلاة والأفعال الليتورجية، لأنها تعطيها أصالتها وصدقها، وتنال مبتغاها من جودة الله. أما الوجه الثاني للإيمان فهو الإيمان الثابت على الرجاء لدى يئيرس الذي بالرغم من خبر وفاة ابنته، تولد عنده الإيمان الذي يرجو ضد كل رجاء (روم 18:4)، عندما قال له يسوع: لا تخف! يكفي أن تؤمن، فتحيا ابنتك. بفضل هذا الإيمان الذي يرجو، والكامن في قلبه، أحيا يسوع ابنته من الموت. 5. آمنت المرأة ويئيرس بيسوع أنه سيد الحياة والموت، وأن علاقة كيانية تربطهما به. هذا ما بينه علم اللاهوت بأن الإيمان ينبع من عمق كيان الإنسان ليتحد بمن هو المطلق، أي الله. آمنا بأن كيانهما ووجودهما ووجود الصبية المشرفة على الموت ثم ماتت، مرتبطان بمن هو الكيان بالذات، يسوع المسيح. هذا الإيمان، على المستوى الروحي، ينطبق أيضا على المستوى الوطني. عندما نقرأ في مقدمة الدستور اللبناني أن لبنان وطن نهائي لكل أبنائه (أ)، نعلن إيماننا بلبنان كوطن مطلق، وننفي الولاء لأي بلد آخر سواه نجعله في الممارسة في مثابة وطن. هذا الإيمان بلبنان وطنا نهائيا لكل أبنائه هو الذي جعله عبر التاريخ مستقرا سياسيا واقتصاديا، وصاحب علاقة وطيدة مع محيطه العربي والشرق أوسطي، ومصدر عطاء للإنسانية تميز على كل صعيد ولاسيما في حقول التربية والثقافة والطب والهندسة والسياسة والتجارة والصناعة؛ وأهله ليسهم في تأسيس الجامعة العربية، وفي وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي نشر الحرية والقيم الديموقراطية في هذا الشرق؛ كما جعل منه مساحة ونموذجا للعيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين على أساس من المشاركة المتساوية والمتوازنة بينهم في الحكم والإدارة، وعنصر استقرار في بيئته المشرقية (راجع روجيه ديب: لبنان المستقر، ص 18-19). 6. لكننا نرى اليوم، وبكل اسف، أن هذا الإيمان بلبنان وطنا نهائيا لكل أبنائه، يتزعزع من جراء ممارسة سياسية ولاؤها لغير لبنان، أكان هذا الولاء لدولة أخرى وكأنها الوطن الأساس، أو لطائفة أو لحزب، ومن جراء خلافات ومواقف تتصلب على حساب الوطن ومؤسساته والصالح العام. كما أنه يتزعزع بنتيجة السعي الدؤوب إلى الافادة من المال العام بطرق غير مشروعة أو إلى تبذيره من دون أي إحساس بالضرر الحاصل بلبنان الدولة والوطن والشعب، أو إلى بيع أراضيه الى الغرباء، أو إلى توزيع جنسيته بسخاء. والأدهى من كل ذلك هو أن هذا الإيمان بلبنان يتزعزع عند شبابنا والأجيال الطالعة بسبب عدم اكتراث المسؤولين السياسيين بمستقبلهم، والتلكوء عن إجراء الإصلاحات في البنى والقطاعات الكفيلة بالنهوض الاقتصادي ووفرة الانتاج وتوفير فرص عمل، وبسبب قطع الطرق أمام تحفيز قدراتهم على أرض الوطن. الإيمان بلبنان وطنا نهائيا لكل أبنائه هو إيمان، كالإيمان الروحي، ينبع من عمق كيان المواطن المرتبط بكيان الوطن، ويظهر في بناء الوحدة الداخلية بكل الوسائل؛ وهو إيمان يعتقد به المواطن اللبناني اعتقادا راسخا أن وجوده مرتبط بمصير وطنه. عندئذ يعيش جمال الولاء للوطن، ويضحي في سبيله، فينعم بغزير جودته. أيها الإخوة والأخوات الأحباء، 7. صلت المرأة النازفة إلى يسوع لتشفى، صلاة صامتة إنما ناطقة بفعل لمس طرف ثوبه فشفيت. وصلى يئيرس صلاة التشفع من أجل ابنته فأحياها الرب من الموت. فلتكن صلاتنا تجسيدا في الأعمال وتشفعا من أجل كل إنسان في حاجة. فكل صلاة تصدر من القلب تنال مبتغاها من جودة الله. ولنجعلها دائما صلاة تسبيح وشكر للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".
|
|
|
|
|
|
|
|
|