لبنان والسخرية المجسدة في لوحة كاريكاتورية! |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#الثائر
– أنور عقل ضو
السخرية شكل من أشكال النقد تمارسه أرقى دول العالم وأكثرها حضارة وتطورا، وهي جزء من ثقافة عامة موغلة بعيدا في التاريخ، وهي غالبا ما تعبر عن نفسها بأشكال مختلفة، إما مباشرة أو عبر اعتماد التورية كاستخدام وتوظيف شخصيات وهمية تمثل نماذج قريبة من الواقع، أو عبر ترميزه بنماذج من عالم الحيوان، وقبل أن يجمع ابن المقفع كتاب "كليلة ودمنة" بكثير، فعندما يضيق هامش التعبير، لا يتوانى الأدباء والمفكرون ولا عامة الشعب أيضا عن بث السخرية في تصوير معاناتهم.
منذ زمن الإغريق، كتب أريستوفانس أكثر من مسرحية عن عالم الحيوان ولعل أهمها "العصافير"، وصور فيها مملكة الطيور وهي تعيش في رغد وأمان، إلى أن دخل إليها الإنسان، فبدأت النميمة وانتشرت الخصومات والأحقاد ودُمرت المملكة، فضلا عن شخصيات "كليلة ودمنة" وغيرها، ومن الأدب الحديث رواية جورج أورويل "مزرعة الحيانات" انتقد عبرها الأنظمة الشيوعية، وهذا يعني أن المكبوت الاجتماعي لا يمكن إلا وأن يعبر عن نفسه بطرق وأشكال مختلفة، ومن بينها السخرية.
في الغرب يسخر الإعلام من رموز الدول وليس ثمة من هو خارج النقد، فلا المسؤول تأثر ولا الإعلام عوقب، أما في دول العالم الثالث فلا مجال أساسا للنقد إيحاءاً تلميحا، فالتهم جاهزة والمعتقلات تضج بسجناء الرأي.
هنا نسأل، كيف يعبر اللبنانيون عن مكبوتاتهم؟ ومن ثم هل هناك من هو خارج النقد؟ وإذا كان الحال كذلك فكيف نتخطى حضورنا كمجتمع متخلف؟
قبل الحرب الأهلية، كانت "الدبور" أكثر الصحف انتشارا في لبنان، ولم تكن أكثر من مطبوعة متخصصة في الكاريكاتور السياسي، وطالما صورت زعماء لبنان عراة إلا من ورقة تين أو توت، ما يؤكد أنه كانت ثمة فسحة أكبر من الحرية، ولم تكن السخرية مجلبة للاعتقال والملاحقة، وكنا في حدود بعيدة متحررين من "رهبة" المسؤول، أما اليوم، فنعيش تبعات نظام رسخ الطائفية في حدود كرست واقعا متخلفا، فانتقاد أي زعيم، يعني انتقاد الذات الإلهية، ويستدعي انطلاق مسيرات الخواء والعبث والفوضى، وهذا مشهد طالما شهدناه في السنوات الأخيرة.
السخرية مرآة الحاضر، وفي لبنان تحول واقعنا برمته إلى لوحة كاريكاتورية، أي أن السخرية متجسدة في واقعنا المعاش، غير أن هامش الحرية يضيق أكثر بقوة التخلف والجهل!
|
|
|
|
|
|
|
|
|