#الثائر
- اكرم كمال سريوي
ما كادت تخمد الحرب في سوريا، حتى بدأت طلائعها في دول الجوار، من العراق الى لبنان. وكما الحال دائماً، تبدأ الثورة بمطالب شعبية محقة، وشعارات تجذب حولها عامة الشعب، ثم يتم توجيهها وفقاً لما رُسم لها من مسار .
بعد خروج الولايات المتحدة من سوريا، تاركةً الأكراد ونفطهم الى مصيرهم الاسود، وإسقاط آمالهم بكيانٍ مستقل، وإخلاء الساحة تماماً امام الخصم الروسي، وبعد فشل القيادة العراقية الجديدة، في الخروج من الظل الايراني، الذي هيمن على البلاد، وبعد ما حققته القوى الحليفة لمحور الممانعة من نجاح في انتخابات لبنان، كل ذلك جعل الموقف الاميركي مترنحاً ومنقسماً بين اتجاهين .
يختلف لبنان عن المنطقة الكردية التي اثارت الخلاف الاميركي التركي، فهو دولة عضو في الأمم المتحدة، ولا يحتاج الى جهد لجعله مستقلاً، ويشكّل منذ فترة طويلة، مركزاً للنشاط الاميركي في الشرق الأوسط. وبيروت مركز جذب واهتمام اقتصادي ومالي، بسبب موقعها الجغرافي، وخصائصها الثقافية والحضارية، والحدود المشتركة مع فلسطين المحتلة، وقد تُصبح مصالح الكيان الأسرائيلي في خطر أكبر، في حال أخلى الاميركيون ساحة لبنان .
لا يخفي الاميركيون وعدة دول أُخرى تدخلاتهم في الشؤون اللبنانية، وهي ليست بجديدة او مستغربة، لكن الجديد والملفت هو التناقض في الموقف الاميركي. ففي حين يُصر فريق المحافظين في الادارة الاميركية من لأري كودلو، كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس ترامب، الى رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ جيمس ريش، الى عدد من مسؤولي الأمن القومي، مثل ميغان اوسوليفان، على تشديد العقوبات على لبنان ، ويرفعون شعار، انه على لبنان ان يختار، اما الوقوف معنا، إمّا مع ايران، يبرز فريق آخر، اقل تشدداً، يتمثل بالعارافين بالشؤون اللبنانية والمنطقة، من امثال ديفيد هيل ودجفري فلتمان، الذان يدعوان الى عدم دفع لبنان الى الفوضى والإفلاس، لأن ذلك قد ينعكس سلباً على مصالح أميركا في المنطقة. ويبدو ان وزير الخارجية مايك بومبيو مع الرئيس ترامب يميلان للأخذ بالرأي الثاني، وهذا ما يُستشف من رسالة التهنئة، التي بعث بها الرئيس ترامب، الى الرئيس عون، بمناسبة عيد الاستقلال .
لعل اهم ما جاء في خطاب فلتمان امام الكونغرس، هو مطالبته بالحفاظ على استقرار لبنان المالي، وإعادة العمل بنظام المساعدات للجيش اللبناني، محذراً من عواقب ترك لبنان او دفعه للفوضى، لأن الخصوم الروس والصينيين، جاهزون لملئ الفراغ .
وفي موازاة هذا الموقف، يرى فريق المتشددين، انه لا ضير من أخذ الامور الى حدودها القصوى، وان الحرب الاقتصادية وسلاح المال، هو الأمضى والأفضل في تحقيق الأهداف الاستراتيجية، وبأقل الخسائر للولايات المتحدة الأميركية. وان الفقر والإفلاس، سيدفع الشعب للانتفاض على قوى السلطة المناهضة لأمريكا، ويمكن بعد مخاض الدم والعنف، ان تعود اميركا من البوابة الاقتصادية، للإنقاذ واعادة الإعمار .
لم يتضح بعد ايُ الخيارين للبنان، وهل سيندفع الافرقاء اللبنانيون الى خيار الصدام والفوضى؟؟؟ ام انهم سينجحون في تجاوز قطوع الدم ويسارعون الى إنقاذ وطنهم؟ وتقديم التنازلات عن بعض المكاسب الآنية، من مناصب وزارية وغيرها، من اجل مصلحة الوطن؟؟؟
تنبّه رئيس المجلس النيابي، الى هذه المشكلة، وحمد الله على مرور نهار التاسع عشر من تشرين الثاني دون نقطة دم. ولكن وكما يقول المثل الشعبي «مش كل مرة بتسلم الجرة». ولا بد من اتخاذ خطوة الى الامام من قبل فريق السلطة، وملاقاة الناس في الشارع، فالمسؤولية بالدرجة الاولى تقع على عاتق من يُمسك بالقرار، ولديه صلاحية اعادة تشكيل حكومة، نحتاجها غير صدامية مع الشعب، والمجتمع الدولي .
السباق انطلق بين خياري الإنقاذ والحرب، فهل سيتعامى البعض عن الخطر الداهم، ويعتبر تمسكه بالسلطة، او حصوله على منصب وزاري، اهم من إنقاذ لبنان؟ ام سيضع رئيس الجمهورية، النواب امام مسؤولياتهم، ويدعو الى الاستشارات النيابية، لتسمية رئيس للحكومة ؟؟؟ وبالتالي لا يتحمل وحده عبء الفراغ والأخطار القادمة، او اية مجازفات أخرى؟ الايام القليلة القادمة، ستُظهر مواقف الأطراف، وتقطع الشك باليقين ، وكل عيد استقلالٍ وانتم بخير .