#الثائر
- اكرم كمال سريوي
تحاول المصارف اللبنانية النجاة من الغرق، فتلتقط كرة النار، ثم تقذف بها على المواطنين، متهمةً إياهم بعرقلة أعمالها، وتهديد موظفيها ومصالحها، بعد ان استغلت أموالهم، وامتنعت عن سداد ديونهم، وتسيير امورهم المالية .
أقفلت المصارف ابوابها في محاولة للهروب الى الامام، فباتت الشكوك اكبر، بمصداقيتها وحرصها على الاستقرار النقدي، وأموال المودعين كما تدّعي. فهي باتت تساهم بشكل مباشر، في تضخيم الأزمة، وتعطيل العجلة الاقتصادية في البلاد. فالمصارف التي لم تُقفل ابوابها في احلك ايام الحرب، يُثير إقفالها اليوم الكثير من الشبهات.
من طلب من المصارف الإقفال؟ وهل فعلاً الدولة وأجهزتها الأمنية، عاجزة عن ضبط الامن وحماية المصارف؟ أولا يعلم اصحاب وموظفو المصارف، الذين طالما تباهوا بأنهم العامود الفقري للاقتصاد اللبناني، انهم اليوم بأقفالهم هذا، يشلون الحركة الاقتصادية في البلاد؟ ويمنعون تأمين حاجات الناس، من الدواء الى المحروقات والغذاء وغيرها؟ ام انهم انخرطوا الأن في لعبة خفية، وصاروا يسعون الى أهداف اخرى؟
ليس سراً ان المصارف اللبنانية، تعرضت لضغوط خارجية. بدءاً من تسريبات حول الإدّعاء على بعضها في الولايات المتحدة الأميركية، الى القيود التي فُرضت على الحسابات، وتقييد تعاملاتها بالدولار، ومطالبتها المستمرة بإرسال التقارير ومكافحة تبييض الأموال، وتهديدها بخفض مستواها الأئتماني. لكن ان تصل الأمور الى حد الأغلاق التام، بحجة غير مُقنعة، ويعرف الجميع انها غير حقيقية، فهذا بمثابة اللعب بكرة النار .
تجاوب اللبنانيون، من مقيمين ومغتربين، مع إجراءات المصارف. وابقوا على ثقتهم وودائعهم بها ولديها، وأثمنوها على مستقبلهم، ومستقبل اولادهم وأموالهم. فهل يمكن لها، ان تستعيد هذه الثقة، فيما لو فِقدت؟ وكيف ستُقنعهم مستقبلاً، بالاستثمار لديها، وائتمانها على جنى العمر؟
إن الإجراءات التي اتخذتها المصارف، من عدم تسليم الأموال المستحقة لأصحابها، والحجز عليها، ومنع التحويلات الى الدولار وتهريبه الى الصرافين، ووقف التحويلات الى الخارج، وبدون قرار رسمي يُجيز لها ذلك، وصولاً الى إغلاق ابوابها، هو مخالفة فاضحة للقانون، يُوقِعها تحت المساءلة والملاحقة القضائية من قِبل اصحاب الحقوق والنيابة العامة. ولكن الأهم من ذلك، انه ولو بدت هذه الخطوات مفيدة لها في المرحلة الراهنة لكسب الوقت، لكنها ستنعكس سلباً في المستقبل، وقد تقضي على التحويلات اليها من المغتربين، وكذلك ستدفع الى هروب ودائع الداخل، وسيفضّل الجميع الاحتفاظ بما لديهم، في الخارج، او في بيوتهم، لانعدام الثقة بسلوكيات المصارف، بعد هذه التجربة المؤسفة وقراراتها العشوائية .
من سيحاسب المصارف على شل البلاد، وإلحاق الضرر بالمواطنين؟ ومن أصدر الامر الى المصارف لتفعل ذلك؟ ومن أباح لها الاستيلاء على اموال الناس وحبسها؟ ولماذا تدفع باتجاه الأزمة بعد ان أعلن حاكم مصرف لبنان، ان السيولة متوافرة، والبنك المركزي جاهز لتلبية طلبات المصارف؟
بكل بساطة ترفض المصارف طلب حاكم المركزي، باستخدام مبلغ التسعة مليارات دولار الموجد لديها، وترفض نقل أموالها من فروعها في الخارج الى لبنان، وتحبس اموال المودعين، خاصة بالليرة اللبنانية، بعد ان استخدمتها لدى المركزي، وحولتها الى ديون بالدولار على الدولة، لتعيدها اليهم بعد أجل غير معروف، وبعد هبوط سعر الصرف اذا حصل، وبالليرة طبعاً، فتكون بذلك سرقت نصف ودائعهم، وحققت أرباحاً احتيالية .
إن مؤامرة إقفال المصارف، وتعطيل البلاد، أصبحت تُشكّل خطراً حقيقياً، يجب التنبه الى عواقبها الخطيرة. والتي لن يكون أصحابها بمنأى عن الخطر، فالأمور واضحة للعيان، ولن تكفي ورقة التين لستر المخفي، ولن يُقدّم لهم الخارج قارب نجاة، فجريمة إسقاط الوطن واقتصاده، سيدفع ثمنها الجميع .