#الثائر
– أنور عقل ضو
استاء الوزير السابق اللواء أشرف ريفي من حرق العلم التركي في لبنان، وعبّر عن رأيه في فسحة من الديموقراطية كما عبر غيره وفي الفسحة عينها حرقا لعلم الدولة عينها، ولا نقول بالضرورة بأن مثل هذا الفعل مقبول، لكن هل يمكن أن يضيق هامش الحرية إلى حدود تراعي مشاعر فئة من اللبنانيين ترى في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خليفة غير متوج، وعلى حساب مجموعة ثانية من اللبنانيين أبيد أجدادها في واحدة من أبشع مجازر التاريخ، إلا إذا كان ثمة من لا يعتبر الأرمن لبنانيين أنقياء العرق، علما أن ليس ثمة عرق نقي في لبنان، حتى وإن ادعينا أننا أسلاف الفينيقيين والكنعانيين.
استياء الوزير السابق لم يراعِ وجعا لا يَسْقطُ بالتقادم، قتل، تشريد، هتك أعراض وشلال دم سيظل يلاحق أحفاد العثمانيين الجدد، وفي هذا الاستياء نظرة دونية لفريق من اللبنانيين وفد إلى ربوعنا في زمن حديث نسبيا، فيما جميعنا وافدون في محطات تاريخية مختلفة، ومعظم اللبنانيين لاذوا إلى الجبال هربا من طاغية ومستكبر، وحوّلوا الصخر أراض خصبة من وادي قنوبين إلى جبل لبنان وجبل عامل، حتى المدن الساحلية تقاطرت إليها جماعات لا تزال تكنى بأسماء المدن الوافدة منها، وثمة أمثلة كثيرة، ومنها: مرعشلي (نسبة لمرعش في تركيا)، وإرضروملي (نسبة لإرضروم التركية)، الحلبي، الحمصي، بغدادي... الخ، وثمة عائلات تكنى بأسماء القبائل العربية التي تنتمي إليها يوم وفدت إلى لبنان في زمن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور لحماية الثغور اللبنانية من هجمات الإفرنج، كما أن هناك من لم يغادروا لبنان يوم قدموا في زمن الصليبيين والأمثلة كثيرة أيضا.
لا نقدم مقاربة تاريخية في هذا المجال، ومثل هذا الأمر يمكن للمهتمين متابعته في الكثير من الكتب والمراجع التاريخية، ولكن جاء هذا العرض المقتضب لنشير إلى أن ليس ثمة لبناني درجة ثانية وآخر درجة أولى، ومن يراعي خاطر من احتلنا أربعة قرون عليه أن يراعي أيضا خاطر شريحة من اللبنانيين قدَّمت الكثير للبنان، ليس في مجال المهن والحرف فحسب، وإنما في مَا أضفت على هذا البلد الصغير من تنوع وقيمة إنسانية مضافة.
ما لا بد من قوله هو أن تركيا ما تزال إلى الآن ترفض الإعتراف بالمجزرة، فيما جماعات كثيرة من الأكراد قدمت اعتذارات عما فعله أسلافها وهم كانوا إلى جانب العثمانيين يبطشون بالنساء والأطفال، ولم ترتق تركيا بعد إلى تبني ثقافة الإعتذار، ولو أنها فعلا اعتذرت كما فعلت شعوب كثيرة وبينها ألمانيا، لكان حرق العلم التركي مدانا، لكن المشكلة أن ثمة من اندفع إلى تغريدة شعبوية وسط بيئة ثمة كثير بينها من ينادي الرئيس التركي بـ "الطيب أرودغان".