#الثائر
صار الحديث عن التوافق يثير فينا الريبة والشك، ويأخذنا إلى تخوم القلق بدلا من أن يبعث فينا التفاؤل والأمل ويمضي بنا إلى أجواء من الطمأنينة والاستقرار، خصوصا وأن "التوافق" في قاموسنا اللبناني وما حمل من مفردات "طائفية" (من طائف) بات يعني اقتسامنا كلبنانيين، ومثل هذا التوصيف المجازي يعني اقتسام دمائنا ولحمنا واللعب بمصائرنا، حتى بات اللبناني أشبه ما يكون بكرة في ملعب يتقاذفها السياسيون في كل اتجاه.
والأنكى أن أهل السياسة، ومن كل الطيف السياسي والطائفي "يمتدحون" الديموقراطية اللبنانية، ومصدقون أن لبنان ينعم بما يفتقده أساسا، وينثرون علينا أزهار الديموقراطية في مَا يكيلون لبعضهم من شتائم، وآخرها تخطى المألوف ووصل حد كسر "بيضة" أحدهم، وهذا صحيح، نعيش ديموقراطية الشتائم ونشر الغسيل (النظيف طبعا) وفضح بعضهم للآخر، وما عدا ذلك لا ديموقراطية ولا من يحزنون أو يطربون.
نعيش "ديموقراطية" مجتزأة ومصادرة، لا رئيس جمهورية دون توافق، لا رئيس حكومة دون توافق، رئيس المجلس النيابي توافقي منذ نحو عقدين، تشكيل أي حكومة يتطلب "خلطة" توافقية، التعيينات ابنة التوافق، المشاريع لا تمر دون توافق، مجلس الوزراء لا يجتمع قبل ترسيخ التوفق وتثبيته على قضايا تكون موضع خلاف.
في لبنان، ومع نظامه الطوائفي التوافقي والديموقراطي بالاسم والتعريف، يصبح التوافق ضروريا ومطلوبا ولا نطعن بأهميته، لأن لا خيار أمامنا لتسيير أمور البلد، والتوافق مطلوب دائما بغض النظر عن التفاصيل والأسباب والموجبات.
لكن ما يثير فينا الريبة والشك، توافق معظم المصادر السياسية، وسط توقعات بأن يسلك مشروع الموازنة مساره الطبيعي في أسرع وقت ممكن، خصوصاً وان جميع الفرقاء أصبحوا على يقين بأن لا موازنة من دون توافق سياسي، انطلاقا من أن الأوضاع الاقتصادية والمالية تزداد صعوبة، ولذلك فإن أي سجال سياسي قد يزيد الوضع تأزماً وقد يؤدي إلى انعكاسات سلبية على الأوضاع برمتها.
وهذا ما تؤكد عليه مصادر مطلعة شددت على أهمية التوافق السياسي، خصوصا في مَا يتعلق بالمشروع المعدل الذي رفعه وزير المال علي حسن خليل قبل عرضه على مجلس الوزراء، حتى تتحمل سائر القوى السياسية الممثلة في الحكومة مسؤولية هذه الموازنة كي لا يشعر المواطن ان هناك فريقاً ضده وآخر معه.
حيال كل ما يتم التدوال به في موضوع التوافق، ثمة ريبة وخوف من أن يخرج علينا المسؤولون بموازنة توافقية نكون نحن كمواطنين أولى ضحاياها!