#المغرّد
خضر حسان - المدن
ينشط القضاء السويسري في كشف تفاصيل التحويلات المالية التي أجراها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ، بمعاونة شقيقه رجا ومساعِدَته ماريان الحويّك.
ليست القضية سهلة، بل فيها مِن الغموض ما يعقِّدها أكثر، خصوصاً وأن التحويلات موزَّعة على خطوط، من لبنان إلى سويسرا، ومن مصرف لآخر داخل سويسرا وخارجها، ومن شركة لأخرى تارة، وطوراً من حساب شخصي إلى حساب إحدى الشركات.
ومع غموض التفاصيل وعدم انفصال القضية عن الأزمة السياسية اللبنانية، يبقى طرح اثنين من التساؤلات الكبيرة، أمراً ضرورياً. الأوّل يتعلّق بتحويلات دولارية، والثاني يتعلّق بالصمت.
قانونية التحويل
يحق لموظفي مصرف لبنان، بمن فيهم الحاكم، فتح حسابات لهم في المصرف المركزي. وبطبيعة الحال، يقبض هؤلاء رواتبهم من خلال حسابات شخصية، ويحق لهم التحويل منها إلى الخارج. ما يعني أن أي تحويل يقوم به سلامة من حسابه، هو تحويل قانوني.
يصبح التحويل عرضة للتساؤل، مع تبديل العملة من ليرة إلى دولار. فراتب الموظفين بالليرة وليس بالعملة الخضراء. وما هو ثابت، أنّ التحاويل المرتبطة بسلامة وشقيقه ومساعِدته، هي تحاويل دولارية. كما تدور الشبهات حول خدمات مالية حظيت بها إحدى الشركات التابعة لرجا سلامة، الذي يُخفي خلف اسمه، مالك الشركة الحقيقي، وهو رياض سلامة.
حركة سير التحاويل وانعطافاتها من شخص لآخر، ومن شركة لشركة، ما زالت مدار بحث وتدقيق من قبل القضاء السويسري "ومن المبكر إصدار حكم حولها"، وفق ما تراه مصادر في مصرف لبنان. لكن ما يمكن تأكيده هو أن "عدم معرفة التفاصيل حول مصدر التحويلات الدولارية من حساب الحاكم أو مساعدته، في مصرف لبنان"، تقول المصادر في حديث لـ"المدن".
وتشير المصادر إلى أنه "طوال فترة تولي الحاكم مهامه، لم يجرِ الحديث داخل مصرف لبنان عن تحويلات دولارية من حساب أحد الموظفين. فهل اشترى الحاكم دولاراته من الخارج وأودعها في حسابه في المصرف المركزي ثمَّ حوَّلها إلى الخارج. أم حوَّلها مباشرة بالدولار، ما يعني أنه استخدم الودائع الدولارية؟ هذا أمر غير مُثبَت".
وتلفت المصادر النظر إلى أن "اعتماد الدولار لتحويل الأموال، ينطوي على عملية غير أخلاقية، بعيداً عن الجانب القانوني. فالحاكم لا يمكنه أخلاقياً تبديل الليرة بالدولار لتحويلها إلى الخارج، وتحديداً من حسابه في المصرف المركزي. لأن الحاكم يعكس الثقة بالليرة. وعندما يحوّل الأموال بالدولار، فهو يؤكّد بأن الليرة ليست بخير ويقوِّض الثقة بالعملة الوطنية". ما يعني بأن المسؤولية الأخلاقية للحاكم كانت تقتضي إبقاء حسابه بالليرة، حتى وإن كان يملك حسابات في المصارف التجارية، فعليه إبقاؤها بالليرة، شأنه شأن الكثير من موظّفي المصرف المركزي الذين يعانون اليوم كأي مواطن احتُجِزَت أمواله في المصارف، وفقدت قيمتها لأنها بالليرة. ومَن يملك حسابات دولارية، يجتهد لسحب ما حددته المصارف من سقوف وسعر صرف 3900 ليرة، بموافقة مصرف لبنان.
الجميع مسؤول وصامت
ينفي مصرف لبنان بشكل رسمي إجراء أي تحويلات مشبوهة من حساباته إلى الخارج. ويعترض سلامة على ما يُتَّهَم به من اجراء لعمليات غير قانونية. لكنه لم يقدِّم حتى اللحظة أي تفسير منطقي وواضح لعمليات التحويل ولارتباطات شقيقه ومساعدته بالتحويلات وبشبكة الشركات المتورّطة بالتحويل. ومع استعداده للإجابة عن كافة التساؤلات السويسرية، "ما زال يتصرّف بغموض".
تقول المصادر أن التركيز على الحاكم وحده أمر مجحف. فالبحث حول التحويلات "يجرُّ معه التساؤل حول دور المجلس المركزي في مصرف لبنان، وبالتحديد حول دور مفوَّض الحكومة ومدير عام وزارة المالية ومدير عام وزارة الاقتصاد. وكذلك حول اللجان، مثل لجنة الاستثمار.. فهؤلاء يمثّلون الدولة. وأي عملية غير صحيحة، أو فيها ما يستدعي التساؤل، يفترض بها أن لا تمر. فلماذا سكت هؤلاء طيلة ثلاثة عقود؟". وبالتالي، "إما ان التحويلات صحيحة قانونياً، ويبقى منها الموقف الأخلاقي محط انتقاد، لا الموقف القانوني، وإما أن مروحة المتورّطين أوسع من سلامة". وتميل المصادر إلى أن "التحويل قانوني، لكنه غير أخلاقي". أما حجم التحويلات، فيحيلنا مرة أخرى إلى المجلس المركزي وممثلي الدولة فيه.
ملايين الدولارات تتعدّد مشاربها لتجتمع عند رياض سلامة. "سويسرية" التحقيقات، تشي بثقة كاملة حول وجود خطب ما في التحويلات. وهو ما سيثبته التحقيق مستقبلاً. على أنّ رسوَّ سفينة التحقيق عند شاطىء الاتهام الصريح لسلامة بسوء استخدام منصبه ومهامه وأموال المودعين، انطلاقاً من مصرف لبنان، يعني ضرورة توسيع دائرة التحقيق لتطال مَن كان يُفتَرَض به معرفة أن أمراً غير قانوني كان يحصل في المصرف المركزي. وعندها، قد يُفتَح الاحتمالات على ملايين إضافية من الدولارات المحوَّلة باستخدام غطاء مصرف لبنان.