#المغرّد
كتبت "النهار"تقول:عملية قتل قائد "فيلق القدس" في " الحرس الثوري " الايراني الجنرال قاسم سليماني ، الشخصية المحورية في ترسيخ نفوذ الجمهورية الاسلامية في الشرق الاوسط، في غارة جوية أميركية فجر أمس في بغداد، دفعت المنطقة إلى تصعيد لا سابق له تردد صداه في جهات العالم الأربع، وحولت نزاعاً بارداً بين واشنطن وطهران مواجهة مباشرة بين العدوين اللدودين، فسجلت أسعار النفط والذهب ارتفاعاً كبيراً في الأسواق العالمية، وتراجعت سوق الأسهم الأوروبية.
واعتبرت الغارة التي أمر بها الرئيس الاميركي دونالد ترامب، أخطر عملية أميركية في الشرق الأوسط منذ غزو العراق عام 2003 وشكلت ضربة قوية لطهران التي توعد قادتها، بدءاً من المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي، بالانتقام "في الوقت والمكان المناسبين"، وكذلك، فعلت ميليشيات من "الحشد الشعبي" العراقي، مما أثار مخاوف من نزاع مفتوح ينزلق بالمنطقة المتلهبة أصلاً الى حرب شاملة.
وتحركت واشنطن ديبلوماسياً وعسكرياً بعد العملية، فعقد وزير الخارجية مايك بومبيو سلسلة لقاءات إعلامية واتصل بنظراء غربيين له مؤكداً عدم رغبة واشنطن في التصعيد، وأعلنت وزارة الدفاع "البنتاغون" أنها سترسل ثلاثة آلاف جندي إضافي الى المنطقة، وألغى وزير الدفاع مايك إسبر عطلة مقررة. ودعت الولايات المتحدة مواطنيها إلى مغادرة العراق "فوراً" نظراً الى "تصاعد التوتر".
وفي سياق سلسلة من الاجراءات العسكرية لحماية المصالح الاميركية في الشرق الأوسط، أفاد مسؤول أميركي أن "البنتاغون" وضع كتيبة من الجيش الأميركي في ايطاليا في حال تأهب للانتقال إلى لبنان اذا قضت الحاجة لحماية السفارة الاميركية هناك. وقال إن الولايات المتحدة قد ترسل ما بين 130 و700 جندي الى بيروت من ايطاليا.
وصدرت الاوامر بارسال هذه التعزيزات مع تصريح مسؤولين أميركيين بأن لديهم أدلة على أن سليماني كان يخطط لحملة كبيرة من العنف ضد المصالح الاميركية.
وراى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن مقتل سليماني يشكل نهاية لعهد الارهاب، وأن قتله كان هدفه "وقف" حرب لا إطلاقها. وقال إن بلاده لا تسعى إلى "تغيير النظام" في طهران، لكنه حذر "الإرهابيين" من مغبة الانتقام من الأميركيين.
العملية
وقتل سليماني والقيادي الكبير في "الحشد الشعبي" العراقي أبو مهدي المهندس فجر الجمعة في قصف جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي أمر بها الرئيس ترامب، بعد ثلاثة أيام من مهاجمة السفارة الأميركية في بغداد.
وتكتمت وزارة الدفاع الاميركية "البنتاغون" على تفاصيل العملية حين أقرّت في بيان بأنها نفذت بتوجيه من ترامب.
غير أنّ مسؤولاً عسكرياً أميركياً أوضح لاحقاً أنّها استهدفت سيارتين على طريق مطار بغداد الدولي، كان في احداهما الجنرال الإيراني النافذ، ورجل إيران في بغداد نائب قائد "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، ونفذت بـ"ضربة دقيقة من طائرة مسيّرة".
ولاحظت "وكالة الصحافة الفرنسية" أن هذا النوع من العمليات التي تستهدف شخصيات عسكرية أجنبية أقرب إلى أساليب عمل الجيش الإسرائيلي منها إلى طريقة تحرك الولايات المتحدة التي غالباً ما تلجأ إلى عمليات دقيقة تنفذها قواتها الخاصة حين تريد القضاء على شخصيات مطلوبة، كما فعلت للتخلص من مؤسس تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن أو زعيم تنظيم "داعش"أبو بكر البغدادي.
وكان سليماني دائماً هدفاً أول لواشنطن، ومنذ أشهر تولت مراقبته عن كثب، وكان في وسعها استهدافه قبل عملية الجمعة.
وقال بومبيو إن المسؤول الإيراني كان يحضّر لـ"عمل كبير" يهدد "أرواح مئات الأميركيين". وأضاف: "كنا نعلم أنه وشيك"، مشيراً إلى أنّ "هذا هو التقويم الاستبخاري الذي وجّه عملية اتخاذ قرارنا".
كشف المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران بريان هوك أن سليماني كان يخطط لهجوم وشيك على منشآت أميركية وموظفين أميركيين في العراق ولبنان وسوريا ودول أخرى، وأن هذا المخطط كان سيؤدي إلى مقتل مئات الأميركيين.
ورأى الرئيس الأميركي أن سليماني كان ينبغي أن يُقتل "قبل سنوات". وكتب في تغريدة له أن "سليماني قتل أو أصاب آلاف الأميركيين بجروح بالغة على فترة طويلة وكان يخطط لقتل عدد أكبر بكثير… لكنه سقط!".
وفي طهران كما في بغداد، كانت المؤشرات كثيرة لحتمية الرد الايراني على العملية الاميركية، وتراوح الخيارات المتاحة لايران بين تعبئة حلفائها في العراق خصوصاً والقيام بعمليات في مضيق هرمز مروراً بهجمات الكترونية. لكن كل الخيارات تنذر بتصعيد.
ويمكن الجماعات الموالية لطهران في المنطقة أن تشنّ هجمات على قواعد عسكرية أميركية في دول الخليج، أو حتى على منشآت نفطية أو سفن تجارية في مضيق هرمز الذي تبقى إيران قادرة على اقفاله في أي وقت.
ويمكنها أيضاً استهداف سفارات أميركية في المنطقة، متل اقتحام السفارة في بغداد، أو حتى الاعتداء على حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين مثل إسرائيل أو السعودية، أو حتى دول أوروبية.
وتعتقد الباحثة كيم غطاس من مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي أنّه من الصعب توقع تطورات المشهد. وتتساءل "حرب؟ فوضى؟ أعمال انتقامية محدودة؟ لا شيء؟ لا أحد يعرف حقيقة، لا في المنطقة ولا في واشنطن، لأنّ ما حدث غير مسبوق".
ويتوقع باحثون آخرون أن يكون العراق حيث تتمتع ايران بداعمين كثر، في قلب الردود الاولى، وذلك من خلال المجموعات المسلحة التابعة لطهران أو المتعاطفة معها.
وخلص الخبير في الشأن الايراني في "معهد الشرق الاوسط" بواشنطن اليكس فاتانكا الى ان "العراق سيصبح أول ميادين المعركة… وسيكون هناك ضغط كبير على الوجود العسكري في العراق"، مذكراً بان الاميركيين سيخسرون كثيراً على المستوى الاستراتيجي اذا اضطروا الى الانسحاب من العراق.
ويعقد مجلس النواب العراقي جلسة طارئة اليوم في الوقت الذي تنظم الميليشيات الشيعية مراسم تشييع لسليماني في بغداد يتوقع أن يحضرها الآلاف.
وفي ظل الازمة السياسية التي يواجهها العراق، قد تقوي العملية الاميركية الميليشيات الشيعية والفصائل السياسية في مواجهة المنتفضين المعارضين للنفوذ الايراني في البلاد. وستواجه حكومة بغداد التي تحافظ على تحالف صعب مع واشنطن وطهران، ضغطاً متزايداً لطرد 5200 جندي أميركي لايزالون في البلاد لمساعدة القوات العراقية على منع عودة "داعش".
ويمكن طهران أيضاً الانتقام بواسطة وكلاء لها في لبنان أو اليمن أو غزة. وتتجه الانظار خصوصاً الى "حزب الله" الذي يملك ترسانة صواريخ قادرة على اصابة عمق اسرائيل. ومع ذلك، من المستبعد أن يجازف الحزب بحرب قد تدمر لبنان الذي يعاني أصلاً أزمة اقتصادية وانتفاضة تشل البلاد منذ أكثر من شهرين.
وعوض تحريك وكلائها، قد ترد طهران بنفسها باستهداف حلفاء واشنطن في الخليج والبنى التحتية النفطية، على غرار الهجوم على منشآت شركة "أرامكو" في أيلول الماضي.
ومن السيناريوات المحتملة أيضاً انسحاب ايران من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، الذي تخلى عنه ترامب في أيار 2018 وأعاد فرض عقوبات صارمة قوضت الاقتصاد الايراني.
ويشار الى أن طهران انتهكت بعض الالتزامات الواردة في الاتفاق، ويمكن أن تقوم بخطوة أخرى كبيرة في مجال تخصيب الأورانيوم.
وفي موازاة هذه التوقعات التصعيدية، ثمة احتمال ولو ضئيلاً، ألا تقوم إيران بأي خطوة، أقله على المدى القصير.
وتعزز هذا الاعتقاد سوابق لايران توعدت فيها بالانتقام لمقتل قادة كبار لها ولم تفعل شيئاً.
وقال مسؤول منظمة الازمات الدولية للعراق وسوريا ولبنان هيكو ويمين إن "هناك طيفاً واسعاً من الردود الممكنة لكنها لا تنطوي جميعها على عمل عسكري أو عنيف". وأضاف: "كلا المعسكرين لا يريد الحرب وكلاهما لا يرى فيها مكسباً. الخطر يكمن في وجودهما في مواجهة مباشرة، وكل منهما يأمل في تراجع الآخر. واذا لم يتراجع أي منهما، يمكن أن يؤول الامر الى كارثة".
لكن جوست هيرتان، مدير برنامج الشرق الأوسط في "مجموعة الأزمات الدولية"، كان له تقويم آخر اذ قال : "يمكن المجادلة بأن الحكمة تقتضي عدم القيام بشيء وترك العاصفة تمر، ولكن عندما ترى خامنئي منتحباً في مجلس عزاء…تدرك أنهم حشروا أنفسهم في الزاوية. سيكون عليهم الرد".
وعيّن خامنئي البريغادير اسماعيل قاآني خلفاً لسليماني.
وطنية -