#الثائر
– أنور عقل ضو
سقوط حكومة العهد الأولى في الشارع ليس مجرد تفصيل في سياق مشهدية التطورات الأخيرة وتفاصيلها الكثيرة، معطوفة على تعثر التأليف والتكليف، انطلاقا من مفسدة سياسية غير بعيدة عن "طبخ الحكومات" في لبنان منذ عقود طويلة، أي عندما يسبق التأليف التكليف مراعاة لأمور تحاصصية، وكأن السلطة لم تتعلم من انتفاضة اللبنانيين بعد، ولا سيما جيل الشباب منهم، ومهما حاول كثيرون "شيطنة" الانتفاضة، فذلك لا يغير في الأمر شيئا، فهناك حكومة أسقطها الناس وليس ثمة من اعترض أو لم يعترف بأحقية ومشروعية مطالبهم.
الرئيس عون يتلقف الصدمة
تجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تلقف الصدمة، مع إعلانه أمس أن لبنان بأمس الحاجة الى حكومة منسجمة قادرة على الانتاج ولا تعرقلها الصراعات السياسية والمناكفات وتلقى الدعم المطلوب من الشعب، وأن المشاريع الاصلاحية التي اقترحها لاستكمال منظومة مكافحة الفساد، باتت في عهدة مجلس النواب، واهمها رفع السرية المصرفية ورفع الحصانة عن المرتكبين واستعادة الاموال المنهوبة وانشاء المحكمة الخاصة بالجرائم المالية، ولا سيما تأكيده أن التحقيقات التي ستُجرى مع مسؤولين حاليين وسابقين تدور حولهم علامات استفهام، لن تستثني أحدا من المتورطين.
مستشارو الرئيس وحلقة المقربين
لكن ذلك وحده لا يكفي على أهميته، وقبل ذلك، ثمة سؤال يطرح نفسه، لماذا تأخر العهد سنوات ثلاث في محاربة الفساد؟ واستباقا لأية تأويلات، لا يتحمل الرئيس عون تبعات ما حصل ويحصل الآن في الشارع، فالمسؤولية تقع أولا على مستشاري الرئيس وحلقة المقربين، وهنا بدا طوال السنوات الثلاث الماضية أنه كانت ثمة غربة بين الرئاسة الأولى ونبض الشارع، وتجلى ذلك في عدم الضرب بيد من حديد في قضايا وملفات لا تزال عالقة إلى الآن، وهي نتاج الفساد الذي لم يتعرض إلى الآن لصفعة واحدة، باستثناء ما يدنو ليكون بعض استعراضات الهدف منها امتصاص نقمة الناس.
في هذه اللحظة ما عادت المشكلة منحصرة في محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين فحسب، فثمة مسؤولية يجب تحملها، وهذا أمر لا مناص منه، فإذا أراد العهد أن يستدرك ما اعتور مسيرته من أخطاء، فالأوْلى به أن يبدأ من تياره السياسي، فبالرغم من أن رئيس الجمهورية يمثل جميع اللبنانيين، لكنه في مكان ما يمثل أيضا تيارا سياسيا أخفق في التقديرات والتوقعات، دون أن يعني ذلك أنه لم تكن ثمة إنجازات، ولو دون حدود المأمول منها.
الناس يريدون طحينا
ما عاد يجدي بعد اليوم أن يتبنى "التيار الوطني الحر" مقولة أنه ورث تركة الفساد على مدى ثلاثين سنة، فيما هو شريك في الحكم منذ أحد عشر سنة، وهو منذ ثلاث سنوات يتكىء على حصن الرئاسة الأولى، فمشكلة الكهرباء على سبيل المثال وقد تسلم ملفها منذ العام 2008 ما تزال قائمة، ولا نتحدث هنا عن تفاصيل واعتبارات وخلافها، فالناس يريدون طحينا فيما الرحى تدور على فراغ ولا يسمع الناس إلا صوت جعجعة ولا أثر لطحين، لا يخفى على أحد أن بعض مؤسسات الدولة أشبه ما تكون بـ "مغارة علي بابا"، وهذه حقيقة لا يمكن تحميل تبعاتها لـ " التيار الوطني الحر "، وحتى في مَا آلت إليه الأوضاع الأخيرة من اعتصامات وتظاهرات، فالمسؤولية مشتركة بين كافة أركان السلطة.
مسؤولية رئيس التيار
إذا أراد "التيار الوطني الحر" أن يستعيد ثقة الناس المنتفضين، عليه أولا الإقرار بأخطاء وعثرات، لا تبني تمويل السفارات لطلاب الجامعات والناس الذين اكتووا فقرا وبطالة، ولا ننفي أن ليس ثمة من وظف في الحراك لأغراض خاصة، ولكن ثمة وجعا دفع الناس إلى الشارع، وأي قفز فوق هذه الاعتبارات يمثل انتحارا لأي فريق سياسي.
وتبقى المشكلة الماثلة اليوم متمثلة في التأخير في إطلاق الاستشارات النيابية للتكليف أولا والتأليف ثانيا، وهنا ثمة مشكلة مرتبطة بالجو الشعبي الرافض لتوزير رئيس التيار جبران باسيل، وأنى كانت الاعتبارات والتأويلات والاجتهادات فثمة مسؤولية يتحمل وزرها رئيس التيار، إلا إذا كان هناك اعتقاد بأن باسيل لم يخطىء وأن إعادة ترتيب "البيت البرتقالي" مسألة غير واردة، وهذا ما هو واضح إلى الآن، حتى أن ما نشهده اليوم من اتصالات تؤخر الاستشارات النيابية (وهذه سابقة في تاريخ لبنان) يشي بأن التأخير مرده إلى تعويم باسيل، وهذا أمر بدأ يضغط على حلفاء التيار، ولا سيما "حزب الله" الذي لعب دورا بارزا في "فرملة" الانتفاضة الشعبية، على الأقل في مناطق نفوذه.
وسط هذه الأجواء، وإذا ما استمر التأخير في تشكيل الحكومة فلن يتمكن حلفاء التيار الأساسيين من تحمل تبعات المرحلة، فيما المطلوب اليوم "تحييد" جبران باسيل مؤقتا عن المشهد السياسي العام، وفي مَا خص "التيار" فالمسألة داخلية ومحكومة باعتبارات يتطلب البحث فيها فسحة نقاش أوسع!