#الثائر
* " فادي غانم "
الناس في واد والسلطة في واد آخر، الناس يطالبون بــ "إسقاط النظام" والسلطة تبحث عن جنس الملائكة حكوميا، بين تعديل أو تشكيل، بين ملء فراغ "قواتي" أو تعديل يشمل عددا من الوزراء الحاليين، فيما بدأ يتراجع خيار تشكيل حكومة تكنوقراط من أربعة عشر وزيرا، في وقت فرض فيه الناس أيضا معادلات جديدة أما السلطة فعاجزة عن استيعاب ما حصل ويحصل، ولم تتخط إلى الآن تبعات الصدمة، وكل ذلك يضع البلاد أمام منعطف خطير، وخلاصة القول شارع يغلي وسلطة عاجزة، والكل أمام مأزق وسائر الخيارات المطروحة وعلى ضبابيتها يظل أحلاها مُـر، فمن يُخرج لبنان من عنق الزجاجة؟
هذا هو السؤال المطروح اليوم، فمع دخول حركة الاحتجاجات والاعتصامات يومها الثاني عشر، لا تزال الصورة قاتمة وضبابية، والسلطة أمام "امتحان" صعب وخطير في آن، فيما "شد الحبال" يتواصل بينها وبين الحراك الشعبي وقد بدأ في تصعيد خطواته مع إعلان اليوم "إثنين السيارات" وبداية عصيان مدني إنطلق ليلا مع بدء إقفال الطرقات بالسيارات، في وقت تسعى فيه السلطة لفتح الطرقات وتأمين حرية التنقل للمواطنين، في ظل إصرار ورفض المتظاهرين عودة الحركة اليومية إلى طبيعتها، وإبقاء ما يعتبرونه "زخم الانتفاضة" وأحقية مطالبها الاجتماعية والمعيشية والسياسية.
لم يعد ثمة ما هو أخطر على لبنان من الفساد، ولا يمكن للدولة القفز فوق هواجس الناس، فلماذا لا يتوحد الجميع (سلطة ومواطنين) في مواجهة هذا "العدو"، خصوصا وأن كل الطبقة السياسية أقرت بأن الفساد يهدد لبنان وهو الذي أوصل البلاد إلى حدود الانهيار وحافة الإفلاس؟ ولماذا لم ترقَ السلطة إلى ما يبدد هواجس من ارتضوا البقاء في الشارع دفاعا عن حق وكرامة؟ وهل قدمت فاسدا واحدا للعدالة؟ ولماذا تستسهل هذه السلطة الترويج لمقولة أن ثمة مؤامرة خارجية؟ وهل من يقنع الناس المنتفضين بأن هناك توجها للإصلاح إن لم تتمكن الدولة من استعادة أموالها المنهوبة؟
لن يكون لبنان فيما لو استمر الوضع على ما هو عليه بمنأى عن تدخلات خارجية، والأزمة مشرعة على المجهول، خصوصا وأن من تجذروا في مواقعهم على مدى عقود عدة، يدركون الآن أن أي تنازل سيفضي إلى تعريتهم وسيعرف الناس ما ارتكبوا بحق لبنان وشعبه، لا سيما وأن من رسخوا "قيم" الفساد هم من استباحوا الدولة، ماضيا وحاضرا، وهذا ما يفسر خوف وعجز السلطة، أو معظم أركانها، عن المضي قدما في كشف الفاسدين ومحاسبتهم!
بين شارع يغلي وسلطة عاجزة تظل الأمور مفتوحة على ما هو أخطر من تظاهرات واحتجاجات، فهل من يتلقف مبادرة ما تعيد للدولة توازنها؟!