#الثائر
- اكرم كمال سريوي
بالرغم مما حدث في الآونة الاخيرة، فان الوضع النقدي في لبنان سيكون بالف خير. لكن بالطبع فان الحكومة مضطرة لاتخاذ عدة خطوات، لإنقاذ الوضع.
باشرت الحكومة تخفيض موازنات الوزارات في موازنة 2020، وهذا جيد. اما على صعيد القطاع العام، الذي يُرهق خزينة الدولة، فيبدو ان الإجراءات الممكنة محدودة. وربما لهذا السبب، اقترح البعض، تحرير سعر صرف الدولار،كي تتمكن الدولة من تخفيض اعباء سلسلة الرتب والرواتب، بطريقة غير مباشرة، لا تفقد من خلالها الطبقة السياسية الحاكمة، شعبيتها في الشارع.
لكن في الحقيقة، قد تنبه بعض العارفين، الى ان تحرير سعر الصرف، مسألة امن وطني. فعملية تجويع وإفقار المواطنين، في ظل ترف وفساد الطبقة الحاكمة، امر له ارتدادات خطيرة. فبالرغم من سيطرة زعماء الطوائف، على قسم كبير من اللبنانيين، الذين تم شحنهم مذهبياً، بحيث اصبح لديهم، الولاء المذهبي فوق الولاء والمصلحة الوطنية، إِلَّا ان الفقر سيطاولهم جميعاً دون تمييز، وهذا سيدفع الى احداث خلل في المنظومة القائمة حالياً .
لذلك فان الحلول يجب ان تبدأ بفرض سلطة الدولة، اي بمنع التهرب الضريبي، وضبط الحدود والمعابر، وتحسين الجباية، وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء، وإلغاء الإعفاءات والامتيازات الممنوحة لبعض الموظفين والتجار النافذين، ووقف كافة المساعدات، التي تعطى لجمعيات معظمها وهمي ونفعي.
لا يمكن الاستمرار في اتفاقات الإعفاء الضريبي المتبادلة ، مع كافة الدول، خاصة الأوروبية، فإذا كنّا نستورد بمبلغ 20 مليار دولار، ونُصدّر بمبلغ اقل من ٣ مليار، فانه من الواضح ان لبنان يخسر الكثير جراء هذه الاتفاقيات المجحفة بحقه. ولقد برز اتجاه العودة الى الحماية الضريبية للاقتصاد الوطني، في قمة العشرين الاخيرة في اليابان، لدى اهم الدول الكبرى، فكيف لا يكون ذلك ضرورياً لدولة صغيرة كلبنان؟ .
إن خفض العجز وزيادة النمو امر ممكن، ويحتاج أولاً، الى تعزيز الانتاج المحلي، خاصة الصناعة. وقد اعلن وزير الصناعة وائل ابو فاعور ، عن جملة إجراءات، ستتخذها الدولة في هذا الإطار، لتخفيض كلفة الانتاج، وحمايته، وفتح الأسواق العالمية أمامه، والحد من عمليات الاحتكار، والمضاربة غير المشروعة، والتهريب للبضائع الأجنبية. ولا بد من الاشارة، الى ضرورة اشراك القطاع الخاص، في المشاريع الأنمائية، من الكهرباء الى الطرق، والمشاريع الاستثمارية الأُخرى.
اما القرار الأهم بالنسبة للبنان، فهو عدم الدخول في محاور إقليمية، وتحييده عن الصراع القائم في المنطقة، ولا بد من اتخاذ موقف حاسم، وعلينا الخيار، وكما قال سابقاً رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط «هانوي ام هونغونغ ؟». وفي الحقيقة، إن ايران قادرة على الدفاع عن نفسها، مع العلم ان هناك اجماع على انه لا حرب اميركية إيرانية في المدى المنظور، وبالتالي لا حاجة لنا لخوض صراع بالوكالة. فالاقتصاد اللبناني، اضعف من ان يحتمل تبعات اي حرب في الوقت الحالي .
اما البشرى الهامة، فهي نتيجة بعض القوانين الأوروبية، فرض ضرائب عالية على بعض الودائع والحسابات، التي لم يتم تحريكها منذ اكثر من عشر سنوات. وقد دفع هذا القانون، بعدة متمولين كبار، الى اتخاذ قرار بنقل ودائعهم. وتم الاتصال بحاكم مصرف لبنان، لتنسيق هذه العمليات معه، وسيتم شراء سندات خزينة بقيمة 3 مليار يورو، وسيتم وضع ودائع في البنوك اللبنانية، قد تصل الى 17 مليار يورو، مما سيسمح للبنان، بتجاوز الأزمة المالية الحالية .
ويبقى طبعاً، مسألة التزام لبنان، بالعقوبات الدولية والاميركية، المفروضة على بعض الدول، مثل سوريا وإيران. لان الاميركين يضعون شروطاً صارمة، ولن يقبلوا التعامل مع اي دولة، او شركة، تخرق العقوبات. وليس لدى لبنان سوى خيار واحد، خاصة مع الربط القائم لاقتصاده بالدولار الاميركي، الا وهو الالتزام الكامل، وعدم السماح لبعض العصابات اللبنانية او غيرها، بخرق نظام العقوبات. وهكذا سينجو لبنان، ويتمكن من تخطي الأزمة الاقتصادية الراهنة.