#الثائر
– أنور عقل ضو
في ما آلت إليه الأحوال طوال الأشهر والأسابيع الماضية، بات مؤكدا أن اللبنانيين ممنوعون من التفاؤل حتى إشعار آخر، وأن ثمة من يقطع عنهم الهواء ويكدِّر حاضرهم ويهدم أبراج المستقبل، أما أفراحهم فمؤجلة إلى أن تنقشع الغيوم السود وهي تحجب بعضا من أحلام تذوي وآمال يضيع.
عندما يستوي جميع أهل السلطة بالتواطوء على مصير اللبنانيين تغدو فسحة الحياة أضيق من أن ينفذ منها بصيص نور، وعندما تسيطر وتطغى المصالح، تتقاطع أو تتشابك، يصبح المواطن سلعة للمقايضة، مجرد رقم لا هُوية وانتماء لتراب وسماء، فيما لا إطار دولة يحفظ حقوقه ويذود عن كرامته ويصون إنسانيته المسلوبة.
ما ناف على الخمسة أشهر ودماء اللبنانيين تباع وتشترى والمزاد لم يقفل ولن يقفل، ولم تكن المقايضة على حقائب وزارية ولا على امتيازات وأحجام وحصص، وليس ثمة لبناني واحد يمكن أن يصدق "حسن" النوايا وهو يكتم في الصدر وجعا وحرقة، إلا من غشي نظره وقلبه حبٌّ أعماه عن الإبصار والإدراك.
كانت المقايضة على سلب حق الناس وسحق أزرار ورود لم تتفتح في الأفئدة والصدور، فعطر الأمنيات ممنوع أن يطل ويعم وينتشر، بقرار تأخذه الطوائف بعد إنزالها من برج القداسة ومنابع الإيمان النقي إلى أدران الواقع.
من سوَّفَ وماطلَ قايض على الدماء، ومن عطَّل خنق عطر الأمنيات، ومن رفع السقوف صادر الفرح، أما من أتى وسيأتي بالأزلام والخُلَّص من الأتباع فقد تواطأ على الناس ومصيرهم، ومن لم يراعِ العلم والكفاءة ونظافة الكف في اختيار الأسماء هو كمن أطلق رصاصة الرحمة على أحلام لم تتبرعم بعد، ومن ساوم على حساب الصالح العام ليس بأكثر من تاجر بييع ويشتري أو يُباع ويُشترى، هي معادلات واضحة حد الوقاحة.
التواطوء فعل مرذول، و"مؤامرة دُبرت بليل"، وكي لا يُفهم الــمُراد على غير ما يحتمل، لا بد من القول أن اقتسام الحكومة مكاسب هو شكل من أشكال التواطوء على الناس، هو استباحة لحقوقهم وأمنهم الاجتماعي واستقرارهم الاقتصادي.
التواطوء هو ما نراه اليوم من اقتسام كعكة الحكومة، ونقيضه التكاتف والتآزر، والإتيان بحكومة لا تتسع إلا لذوي الشأن في اختصاصاتهم ومناقبهم أنى كانت انتماءاتهم، عندها يمكن أن نحلم بأن يكون لنا بعض أمل في أن نعلن جهرا وعلى الملأ، نريد وطنا لا إقطاعيات سائبة!