#الثائر
لم نرَ في مشروع الموازنة ومسار إقرارها في الـ Place D’etoile أو ساحة النجمة، غير أجواء عصيبة متشنجة إن في داخل مجلس النواب (مجلس الأمة) وإن خارجه، وهذا مؤشر لا يطمئن ولا يبشر بالخير، ومن وصل إلى مثل هذا الاستنتاج لم يخترع البارود، ولم يكتشف الفص الصدغي الأمامي من الدماغ، ذاك الذي يتعرض لانتكاسة فيتحول الإنسان مريضا يروي أمورا متخيلة وصولا إلى الهلوسة، ويبدو أن بعض الفصوص الصدغية في رأس الموازنة انضربت وأصابها وهن وكدر.
وعلى ذمة الراوي، شوهدت الموازنة أمس، وتحديدا وقت المغيب، تترنح حينا وتختال أحيانا أخرى، وكأنها تجسد حالنا كلبنانيين وما نحن عليه بين الترنح والتباهي، حتى أننا ملزمون أن نهتف لموازنة الهلوسة المشؤومة، وثمة من يريد لنا أن نرى إنجازا في إقرار موازنة بغض النظر عن الأرقام، أي التشبث بالعنوان كمأثرة وطنية أعادت تذكيرنا أننا في رحاب دولة وبين ظهراني مؤسسات طردت الفساد شر طردة، ولم يبقَ منه إلا فلول هاربة.
في غمرة الحديث عن الموازنة، مناقشة وإقرارا، نجحت السلطة في تحويل الأنظار عن رفع الحد الأدنى للأجور، بالاستناد إلى تنامي الغلاء الذي تخطى الرواتب والأجور بأشواط بعيدة، من أجل ألا يتحدث أحد عن زيادة التقديمات الاجتماعية والصحية، بحيث تحول اهتمام الناس إلى منع فرض ضرائب جديدة، وهذا "ذكاء رسمي" لم يفطن له المواطنون وهم الآن في انتظار الإنتهاء من التصويت على بنود الموازنة لمعرفة الأرقام النهائية، وما إذا كانت نسبة العجز ستبقى عد حدود السبعة ونصف بالمئة أو أنها ستتجاوز هذا السقف.
وبعيدا من الموازنة وقريبا منها أيضا، حضرت أمس فضيحة استحضرت سجالات وتباينات، وتمثلت بالوثيقة التي أبرزها وزير المال علي حسن خليل وأشارت إلى وجود 136 معبر تهريب بين لبنان وسوريا، ولكل معبر إسم، ولكل معبر اختصاص لجهة نوعية المواد المهربة، وهذه الوثيقة تلامس الفضيحة في ظل المحاولات المستميتة للتخفيف من وقعها أو محاولات طمسها.
لن نتحدث عن معركة مواجهة الفساد، وكيف أنها لا تزال مجرد شعار، ولا عن الهدر ولم تسد منافذه، ولا عن التحاصص وإقصاء الأكفاء، ولا عن تراجع الإنتاجية في مؤسسات الدولة، ولا عن نهب المال العام ووضع اليد على أملاك الدولة، ولا ولا ولاـ.. إلخ، لكن بالتأكيد ستتكشف الأمور قريبا لنتأكد أن موازنة الفص الصدغي المضروب ستقود إلى الهلوسة، وفقط الهلوسة!