#الثائر
خاص "الثائر"
* - " ميشال قليموس "
منذ العام 2005 وحتى تاريخ العام 2018 لم يقر المجلس النيابي اللبناني أي مشروع قانون للموازنة العامة، وذلك بسبب عدم تقديم الحكومة اللبنانية قطع حساب السنة أو السنوات السابقة لكل مشروع قانون بهذا الخصوص سندا للمادة 87 من الدستور.
لقد شكل هذا الأمر انقساما سياسيا عموديا في البلاد بحيث تمسكت كتلٌ نيابية بوجوب احترام نص المادة 87 من الدستور التي تلزم عرض قطع حساب السنة أو السنوات السابقة على المجلس النيابي قبل مناقشة وإقرار مشروع قانون الموازنة العامة ونشره.
لقد أدى هذا الأمر إلى عدم تصويت المجلس النيابي على أي مشروع قانون موازنة عامة للدولة ضمن الفترة المذكورة أعلاه الأمر الذي أثر على واقعها المالي.
عند التصويت على مشروع قانون موازنة العام 2018 تم وضع مادة ضمن مشروع قانون الموازنة قضى بإعطاء الحكومة مهلة محددة لتقديم قطع حساب السنوات السابقة بين العام 2005 و2017 وذلك قبل أن يتم إقرار مشروع قانون موازنة العام 2019.
يومها ورغم كون هذا الأمر مخالفة دستورية صريحة للمادة 87 من الدستور حصل "توافق سياسي" لتمرير هذا الأمر لتأمين سير عجلة الدولة على الصعيد المالي، ولكن ولدى عرض مشروع قانون الموازنة للعام 2019 على المجلس النيابي لإقراره، لم تكن الحكومة قد أنهت اعداد قطوعات الحسابات المذكورة أعلاه ما عدا قطع حساب العام 2017، وبالتالي وبهدف سعيها لتمرير مشروع قانون الموازنة للعام 2019 برز اقتراح يقضي بإعطاء الحكومة مهلة 6 أشهر لانهاء قطوعات الحسابات.
أمام هذا الواقع لا بد من عرض الموضوع من الناحية الدستورية لمعرفة ما إذا كان هذا الأمر يؤدي إلى إمكانية الطعن امام المجلس الدستوري بقانون الموازنة للعام 2019.
السؤال الأول: هل يمكن من الناحية الدستورية تعليق مفعول المادة 87 من الدستور؟ تنص المادة 87 من الدستور اللبناني المعدلة وفقا للقانون الدستوري تاريخ 17/10/1927 على ما حرفيته: "ان حسابات الادارة المالية النهائية لكل سنة يجب ان تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة وسيوضع قانون خاص لتشكيل ديوان المحاسبة".
لقد تم إدراج هذا النص الدستوري خلال المناقشات المتعلقة بمواد الدستور اللبناني سنة 1926 وتم تعديل هذا النص سنة 1927 بعد إلغاء مجلس الشيوخ ضمن مواد الدستور.
لقد اعتمد الدستور البلجيكي هذه الرقابة المالية على نفقات الدولة منذ العام 1831 حيث نصت المادة 115 منه على ما حرفيته:
Chaque année, les chambres arrêtent la loi des comptes et" votent le Budget".
لقد اعتمد الدستور الفرنسي هذا المبدأ أيام الجمهورية الفرنسية الثالثة وهو مبدأ اعتمده الدستور اللبناني سنتي 1926و 1927.
وبالتالي، وانفاذا للتعديل الحاصل سنة 1927 للمادة 87 من الدستور والمتضمن دور ديوان المحاسبة، فلقد صدر المرسوم الاشتراعي رقم 118/59 خلال عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب، تبعه بعد ذلك صدور المرسوم رقم 14969 تاريخ 30/12/1963 والمتعلق بقانون المحاسبة العمومية الذي نص في مادته الأولى على ما حرفيته:
"المادة 1: يحدد هذا القانون اصول اعداد موازنة الدولة وقطع حسابها وادارة الاموال العمومية والاموال المودعة في الخزينة".
بتاريخ 3/9/1966 صدر القانون رقم 55/66 الذي نص في مادته 13 على ما حرفيته: "تضع مصلحة المحاسبة العامة كل سنة: قطع حساب الموازنة الذي يجب تقديمه إلى ديوان المحاسبة قبل 15 آب من السنة التي تلي سنة الموازنة".
كما وان المادة 47 من الدستور الفرنسي الحالي نصت في فقرتها الاخيرة على ما حرفيته: La cour des comptes assiste le parlement et le" gouvernement dans le controle de l’execution des lois de finances".
يتبين مما تقدم دور ديوان المحاسبة سواء في الدستور اللبناني وقانون المحاسبة العمومية وكذلك في الدستور الفرنسي الحالي بعد أن كان المشترع اللبناني قد وضع نص المادة 87 من الدستور خلال العام 1926و 1927 أيام الانتداب الفرنسي حيث كان هذا المبدأ معتمد في دستور الجمهورية الفرنسية الثالثة.
تبعا لمراجعة النص الحرفي للمادة 87 من الدستور اللبناني، فإن هذا النص استعمل عبارة "يجب" أي انه اعتبر عرض قطع حسابات السنوات السابقة من النظام العام المالي في الدولة والذي لا يمكن مخالفته لأن هكذا مخالفة تعرض الدور الرقابي المالي اللاحق والمسبق للمجلس النيابي على صعيد التشريع المالي، لا بل انه يعرض الاستقرار التشريعي للخلل ومعه استقرار النظام البرلماني المبني على حق المجلس النيابي في اجازة الجبأية والانفاق وفي مراقبة الاداء المالي للحكومة للسنة أو السنوات المالية السابقة؛ كما انه يعرض أيضا الدور الدستوري المعطى لديوان المحاسبة.
لذلك، فإن أي طرح حالي يهدف إلى تعليق أو تأجيل تطبيق المادة 87 من الدستور هو بمثابة المس بجوهر الدور الرقابي المالي للمجلس النيابي وبصورة استطرادية لا شيء يضمن لاحقا وضع قطع حسابات السنوات المالية السابقة.
إن هذا الرأي نابع حصرا من الحرص على مصداقية واستقرار نظامنا البرلماني والمالية العامة للدولة اللبنانية ليس الا.
النقطة الثانية: هل يمكن من الناحية الدستورية تعديل الدستور لجهة تعليق وتأجيل تطبيق المادة 87 من الدستور خلال الدورة الاستثنائية الحالية للمجلس النيابي؟ وهل ان هذا التأجيل يشكل مخالفة للدستور لجهة عدم امكانية تعديل الدستور بموجب نص قانوني عادي؟
قبل كل شيء لا بد من القول بان أي تعليق وتأجيل لتطبيق المادة 87 من الدستور هو بمثابة التعديل الدستوري اذ لا يمكن إقرار هذا الأمر بموجب قانون عادي في المجلس النيابي.
فإذا كانت المبادرة لجهة تعليق وتأجيل تطبيق المادة 87 من الدستور من قبل عشرة نواب سندا لاحكام المادة 77 من الدستور، فإن هذه المبادرة يجب ان تكون في إطار دورة عادية للمجلس النيابي وليس خلال دورة استثنائية كما هو الواقع حاليا.
وكذلك الأمر، فإن هذه المبادرة مستوجبة الحصول على اقتراح تعديل دستوري لهذا النص بغالبية ثلثي اعضاء المجلس النيابي وابلاغ هذا الأمر بواسطة رئيس المجلس النيابي إلى الحكومة للطلب منها وضع مشروع قانون بشأنه.
وعلى الحكومة وسندا للمادة 77 من الدستور ان توافق على هذا الاقتراح باكثرية ثلثي اعضائها وطرحه على المجلس النيابي خلال مهلة اربعة أشهر، فإذا لم توافق الحكومة بهذه الاكثرية على الاقتراح فانها تعيد القرار إلى المجلس النيابي لدراسته ثانية، فإذا أقر المجلس النيابي بأكثرية ثلاثة ارباع مجموع اعضائه فلرئيس الجمهورية حينئذ اما اجابة المجلس إلى رغبته أو الطلب من مجلس الوزراء حله واجراء انتخابات نيابية جديدة في خلال ثلاثة أشهر.
وإذا أصر المجلس الجديد على وجوب التعديل وجب على الحكومة الانصياع وطرح مشروع التعديل في مدة اربعة أشهر.
كما وان المادة 78 من الدستور تنص على انه إذا طرح على المجلس النيابي مشروع يتعلق بتعديل الدستور يجب عليه المثابرة على المناقشة حتى التصويت عليه قبل أي عمل آخر.
كما وأن المادة 76 من الدستور تنص على انه يمكن اعادة النظر في الدستور بناء على اقتراح رئيس الجمهورية فتقدم الحكومة مشروع القانون إلى مجلس النواب.
وبالتالي وسندا للمادة 79 من الدستور، فإن الاكثرية النيابية الواجب حضورها والواجب منحها لكل مشروع تعديل للدستور هي اكثرية ثلثي اعضاء المجلس النيابي.
وبالتالي وسندا لهذه المادة فانه يحق لرئيس الجمهورية خلال المهلة المحددة لاصدار القانون الدستوري الطلب من المجلس النيابي بعد اطلاع مجلس الوزراء اعادة المناقشة في المشروع مرة اخرى ويصوت عليه عندها بأكثرية الثلثين.
يتبين مما تقدم على أن مبادرة التعديل من قبل المجلس النيابي يجب ان تكون خلال دورة عادية للمجلس وليس خلال دورة استثنائية.
بالإضافة إلى أن محاولة تعليق وتأجيل تطبيق المادة 87 من الدستور بموجب مشروع قانون الموازنة للعام 2019 هو تعد على نصوص الدستور، حتى ولو كان المبرر لذلك هو الظرف الاستثنائي، لأن الحكومة أعطيت مهلة كافية لاتمام قطوعات الحسابات ولم تقم بانهاء دورها وبالتالي فهي لا تستطيع تبرير عدم اتمامها واجبها الذي التزمت به عند إقرار مشروع قانون الموازنة للعام 2018.
النقطة الثالثة: وبصورة استطرادية، وفي حال إقرار مشروع قانون الموازنة للعام 2019 والذي يتضمن تأجيل تطبيق المادة 87 من الدستور هل توجد امكانية للمطالبة بابطاله امام المجلس الدستوري؟
من الناحية القانونية والدستورية وسندا لقانون إنشاء المجلس الدستوري، وفي حال حصلت مراجعة أمامه للمطالبة بوقف تنفيذ وإبطال قانون الموازنة للعام 2019 والذي يتضمن تأجيل تطبيق المادة 87 من الدستور، فإن المجلس الدستوري يملك صلاحية وقف تنفيذ وابطال أي نص قانوني يتعارض مع احكام الدستور وخاصة لجهة السبب المتعلق بمخالفته عبارة "يجب" الواردة ضمن المادة 87 والتي هي من اسس النظام العام المالي في الدولة، اضافة إلى امكانية تقرير الابطال إذا تم التعديل خلال الدورة الاستثنائية.
* محام بالاستئناف