#الثائر
أبحرت سفينة الموازنة اليوم في بحر مجلس النواب ، ولا شراع يعاند الريح لتسير بسرعة وسلاسة، ولا بوصلة تهتدي بها الأرقام في حرب مستعرة غير منفصلة عن الأحجام المتثاقلة، أما الدفة فيمسك بها أكثر من قبطان، فيما الموج إلى ارتفاع، وثمة عاصفة هوجاء تتهيأ في الأفق، والبرق سيضرب ليأتي على بساط الخيبة قصف الرعود القريبة والوعود البعيدة والمستبعدة في الجمهورية العصماء.
وهنا، ما علينا إلا أن نعتصم بحبل صبر بلا حدود، وحدها القيود ثابتة على قناعة أن حضور الدولة بدأ يتشلع، والغرق في فوضى الأرقام والتراجع مسألة وقت، والأمور بلغت حداً من الخطورة أرّق الجميع، ما دفع الرئيس العماد ميشال عون إلى عقد اجتماع مالي في قصر بعبدا، في محاولة لاستدراك السقوط بحد أدنى من إجراءات وتوجهات وتطمينات.
ويبدو أن التبعات المالية والاجتماعية للموازنة ستطاول جيوب المواطنين، بدهاء لبناني غير مسبوق، وخبرة عميقة في فلسفة الاقتصاد العاطل عن العمل، ومد اليد إلى لقمة العيش والنتش منها إن كانت على شكل قالب جبنة أو علبة سردين وتنكة رب بندورة (قياس صغير) وفول مدمس من مراعينا الخضراء، أو من حدائق كاليفورنا التي تعرضت لسلسلة من الهزات الأرضية قبل أيام وصلت توابعها بقدرة قادر إلى الموازنة غير المتوازنة، ويبدو أن الضرائب والرسوم خرجت من الباب الرئيسي لتعود من أبواب فرعية غير مواربة ونوافذ مشرعة ومنافذ غير شرعية.
بعد سقوط الـ 2 في المئة على السلع المستوردة، وهي عبارة عن ضريبة على القيمة المضافة TVA ولكن مقنعة، دخلت بديلا منها رسوم الــــــــــــــ 3 في المئة على بعض السلع، التسمية الملطفة هي رسوم، لكنها في حقيقة الأمر هي TVA، وما نقوله كلاما اليوم سيتلمسه المواطن غدا في مشترياته بعد إقرار الموازنة، ما يعني أن ثمة مد يد على ما بقي في جيوب المواطنين، أو التطاول على مدخراتهم إن بقيت ثمة مدخرات بما فيها مصاغ ربة البيت ومحبسي الخطوبة الأثريين.
هي الطريق الأسرع لتوفير الأموال، وما علينا إلا أن نشهد صراخا وعويلا و"تعتيرا" من على شاشات الفضائيات مواكبة ونقاشا لموازنة فضائية لا تنتمي إلى عالمنا الأرضي، وحبذا لو يحلق صحن طائر في ساحة النجمة لتسجيل الوقائع ونقلها إلى عوالم بعيدة ملايين السنوات الضوئية، قبل أن تفرض السلطة ضريبة على الأوكسيجين الغائب والمختنق، والمياه غير العذبة في صحراء القحل والمحل!