#الثائر
" – أنور عقل ضو
سنتان ونصف السنة لانتخاب رئيس جمهورية، سبعة أشهر لتشكيل حكومة، وموازنة مشرعة على حرق المزيد من الوقت، ونعجب كيف أن أحلام اللبنانيين مؤجلة إلى الآن، وهم يضبطون أوقاتهم على يوميات المناكدة والسجالات المستعرة على فوضى وخواء، وطالما أننا لا نقيم اعتبارا لدورة الزمن في مسار بناء لبنان فلا أمل يرتجى لا اليوم ولا غدا.
يوم نتمكن من إنجاز الاستحقاقات الدستورية بسلاسة وفق ما تنص عليه القوانين يمكن أن نحلم بوطن، ويمكن أن نشرع نوافذ الإنتظار على قليل من أمل، وساعة نتخطى دائرة هواجسنا الطائفية وتوحيدها في سياق هواجسنا الوطنية نكون قد تخطينا بعضا من أُمِّــــية سياسية، وطالما أننا طائفيون فسنظل محكومين بعد القدرة على فك الحرف في علوم السياسة وآدابها أيضا، ويخطىء من يظن أن "الأمِّي" هو من لا يعرف الكتابة والقراءة، ثمة أمِّيُّون عاطفيا وأمِّيُّون فكريا وعقائديا، وثمة أمِّيُّون في الثقافة وإن زينوا قصورهم ومنازلهم بلوحات انطباعية وتجريدية وسوريالية وتكعيبية وإن اقتنوا أهم الموسوعات العلمية لزوم الديكور.
وفيما تكثر الدعوات لبناء دولة عصرية بعيدا من تحاصصات الطوائف، ودون المس بصيغة التوافق على مستوى الرئاسات الثلاث، أي تحديث الدولة بعيدا من كل هذا الترهل المحكوم بسيل التعصب الجارف وفورة غرائز ما قبل الحضارة، لا بد أولا من تحقيق "الطائف" ليكون ذلك مدخلا لإصلاح حقيقي في بنية النظام السياسي، خصوصا في مَا يتعلق بـ "طائفية الوظيفة"، وإلا سنظل نعيش في كهوف الإنسان الأول، وإن تمنطقنا بكل ما هو "سينييه"، من "كريستيان ديور" إلى "نيناريتشي"، فالمظاهر البراقة لا تكفي وحدها لولوج دروب الحضارة، وكم نحن بحاجة اليوم لـ "كوكو شانيل" لنتحرر من قيود الإنتماء الديني كما حررت المرأة في النصف الأول من القرن الماضي من الثياب الضيقة (الكورسيه)، خصوصا وأننا بحاجة اليوم إلى "أفكار مرحرحة" تحاكي روح العصر بعيدا من عصبيات مقيتة.
لا يمكن أن نتخطى "الأُمِّـــية السياسية" بعيدا من مناهل العلم والنور والتنوير، أي ساعة ندرك أن الإنسان بذاته هو القيمة الأهم لا لون بشرته ولا طائفته وانتسابه بالولادة لديانة لم يخترها وإن صارت جزءا مكونا من الشخصية، وعندما نزرع في أولادنا قيم الإنسان نكون قد ولجنا الطريق نحو بناء وطن الإنسان، وعندها فقط يمكن أن نقول بأننا لبنانيون لا شراذم وجماعات محكومة بكهوف الظلام والحقد والكراهية.