#الثائر
– أنور عقل ضو
المتحمسون لــ " صفقة القرن " من بعض العرب متقني سياسات التسوية تاريخيا، ما زالوا يجدِّفون كمن فَقَدَ القدرة على استقراء ما يجري حوله وما استجد على ساحة الصراع الدولي، وما زالوا يقرأون السياسة بنظارات تصلح للرؤية في مرحلة تسعينيات القرن الماضي، أي يوم استباحت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها يوغسلافيا وتطاولت متقدمة نحو تخوم روسيا، وهؤلاء كمن يقرأ إلى الوراء متغافلا بالعمد أو بالعرض جملة من التطورات يظنها ليست ذات بال، أو لم يلتفت إليها أساسا.
وفي "صفقة القرن" ثمة عرب أكثر من متحمسين، لا بل هم متورطون أيضا، لا لشيء إلا ليحصنوا مواقعهم في مواجهة شعوبهم الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية، والثمن يقدر بمئات المليارات من الدولارات، وفقط من أجل حماية هذه المواقع ومحاولة "تأبيد" أنظمتهم برعاية "العم سام"، ومرة جديدة يؤكد بعض هؤلاء العرب أنهم ما زالوا بعيدين عن مرحلة الفعل التاريخي، بمعنى أنهم غير قادرين حتى الآن على تأكيد مكانتهم في حاضرة العصر، حتى لنتأكد أن ثروات العرب ما تزال مجلبة لعار ووَبال.
صحيح أن "صفقة القرن" لم تتضح بكامل بنودها أكثر مما تم تسريبه، لكن عناوينها صارت واضحة، وأهمها الابتعاد عن حل الدولتين، وتجيير كامل الأرض لإسرائيل وإعادة توزيع الشتات الفلسطيني، لا سيما في الأردن وسيناء، وثمة خارطة حددت ديموغرافيا الذل لصالح إسرائيل قوية عاصمتها القدس بنسخة تلمودية، أي لا مكان فيها لمسلمين ومسيحيين، إلا من باب تشجيع السياحة.
هذا السيناريو وغيره لن يمر وأقصى ما سيحصد بعض العرب – المتحمسين طبعا – خيبة مجلجلة، وهنا يبدو وبوضوح أن هؤلاء لا يرون الواقع إلا بمنظار أميركي وإسرائيلي، وتحديدا وفق ما يريده مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، أما التوازنات الدولية والصراعات في ميدان الاقتصاد والتكنولوجيا والتفوق العسكري لصالح روسيا، فهذه لا يقيم لها بعض العرب اعتبارا على قاعدة أنهم يعيشون في ظلام القرن الماضي.
وفي لحظة اندفاع بعض المصفقين لكوشنر، دعت روسيا والصين جميع الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية إلى الامتناع عن أي خطوات تقوض حل الدولتين، وذلك في بيان مشترك صدر في أعقاب المباحثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ في موسكو يوم أمس الأربعاء.
هذا التطور يعني أن روسيا والصين أرادتا توجيه رسالة تقول "نحن هنا"، ولذلك أكدتا دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة وذات سيادة ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لا بل أبعد من ذلك، فقد دعت موسكو وبكين جميع الأطراف المعنية بهذه العملية إلى تفادي أي خطوات تقوض حل الدولتين.
الموقف الروسي – الصيني له دلالات أهمها أنه بدأ يطل برأسه مع بدء استعدادات الولايات المتحدة للإعلان عن خطتها للتسوية في الشرق الأوسط المعروفة إعلاميا بـ "صفقة القرن"، فهل ثمة عرب يتفكرون؟!