#الثائر
– أنور عقل ضو
لو أن القضاء في لبنان يتحرك بسرعة دبلوماسية "فرط صوتية" (تفوق سرعة الصوت) كما شهدنا مؤخرا، لكنا اليوم في أفضل حال، غير مكبلين بموازنة بعيدة من الموازنة والتوازن والاتزان، ولكنا قطعنا شوطا بعيدا في مكافحة الفساد بدلا من دغدغته في أصابع أقدامه وتحت الإبطين أو عند الخاصرتين، ولكنا شققنا الطريق أيضا في مسار يكرس منطق الدولة لا البقاء في دائرة الاستنساب حد الذهول والارتياب.
لا يتحمل القضاء تبعات أي سقطة غير محسوبة أو هفوة عرضية في السياسة وفي أي شأن عام، طالما أهل السلطة "يمونون" بمحبة واحترام، ولا يتدخلون بالقضاء إلا من باب الغيرة على البلد لترسيخ مفهوم السيادة والعدالة، والابتعاد في تغليب مصلحة لبنان على ما عداها من أمور خاصة وشخصية.
ثمة مشكلة متمثلة في تشابك السلطات، ما أدى إلى حدوث نوع من التماهي بين المسؤول والدولة، ونقصد هنا من هم في الصف الأول، زعماء كل طائفة وهم في مكان ما يظنون أن الدولة امتداد لإقطاعات سياسية عصرية حداثوية، وأحيانا يندفعون ونرى فيهم من يتبنى مقولة لويس الرابع عشر "أنا الدولة والدولة أنا" ولكن بالقسط والعدل، وبحسب ما أتاح "الطائف" لكل طائفة ولو أكثر قليلا.
أمام كل أدران الفساد والتسيب لم يتحرك القضاء إلى الآن لمساءلة مسؤول عن تضييع المال العام وتبديده، أو من هو دون المسؤول مرتبة، كأن نرى على سبيل المثال صاحب كسارة أو تاجر رمول من حيتان المال يحقق معه لدى القضاء المختص، والغريب في الأمر أن النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد ابو حيدر ادعى أمس على السفير علي المولى في قضية تسريب برقية دبلوماسية تتعلق بلقاء عُقد في الولايات المتحدة الاميركية بين وفد نيابي لبناني ومساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى بالوكالة دايفيد ساترفيلد في نيسان (أبريل) الماضي.
ما ارتكبه المولى يجب أن يكون موضع مساءلة وصولا إلى تطبيق القوانين المرعية الإجراء، لكن ليس قبل مساءلة من نهبوا البلد، وأوصلوه إلى حافة الانهيار، وإلا، فإن ما طاول السفير المولى يدخل في باب التشفي، وإلا ما معنى أن تكون العدالة مصوبة في اتجاه واحد وتغض الطرف عن مكامن الفساد الأشد والأدهى في أكثر من اتجاه.
لا يمكن أن يكون القضاء محكوما بسرعتين، سرعة صاروخ نفاث عابر للقارات وأخرى على وقع خطوات سلحفاة مريضة متهالكة، الانتفاض لكرامة الدولة مطلوب "دبلوماسيا"، ومطلوب أكثر بيئيا وصحيا و"كساراتيا" و"اسمنتيا" و"نفاياتيا"، لا يمكن سوق البلد بالمناكدة حينا والاستنساب حينا آخر!