#الثائر
على خطى ثابتة راسخة واثقة، وعلى وقع نشيد "أوهام القوة يا لبنان" الجديد، تأليف وتلحين وتوزيع دائرة الموسيقى في "سيرك" الدولة، يمضي لبنان نزولا وبثقة منقطعة النظير نحو ترسيخ سياسة ما سوف يعرف من الآن فصاعدا بـ "ميليشيات بقفازات"، وإذا كانت الطبقة السياسية حولت "الطائف" منصة أحلام شخصية و"ارتقت" بالدولة إلى تكريس دويلات الطوائف، فإن الطبقة السياسية المستجدة الوافدة على صهوة فرسٍ جموح ألغت مفهوم الدولة، وها نحن اليوم في كيان عصي على التوصيف، دولة؟ إقطاعات؟ إمارات؟ ولايات... إلخ، الأرجح أنها كل ذلك، باستثناء أننا دون "باب عالِ" ولا ثمة قناصل يوجهون ويخططون، حتى بات لبنان في بحر تتقاذفه أمواج الأهواء وتعصف به رياح مصالح ما دون وطنية.
بغض النظر عن الدوافع، إذا صح ما تم تداوله من انتشار ملثمين من عناصر أمن الدولة حول وزارة الخارجية، ثم دخل مديرها اللواء طوني صليبا مع مجموعة من الضباط والعناصر الى مكتب الوزير قبل أن يتوزعوا امنيا في قاعات اخرى لزوم التحقيقات، ودخول اعضاء الجهاز إلى وزارة الخارجية كما لو أنّهم يبحثون عن مطلوبين إرهابيين، وفق ما نقلت صحيفة "الأخبار" اليوم، فذلك يعني إهانة صريحة للسلك الدبلوماسي، وكسرا لهيبته، واعتداء على خصوصيات السفراء.
ما حصل يراوح بين الخطأ والخطيئة، فإذا كان ثمة من سرب معلومات للصحيفة المذكورة (حتى الآن لا دليل واضحا) فهذا خطأ يعالج بهدوء، أما ما حصل بالأمس فيرقى إلى خطيئة لا يجدي بعدها سر الاعتراف والتوبة، وشتان بين خطأ وخطيئة، وإذا كان لا بد من استعادة هيبة الدولة فما حصل استباحها في "حملة تأديبية" ذكرتنا بما هو قائم في جمهورية كوريا الشمالية وفي أنظمة القمع وديكتاتوريات بائدة وبعضها بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة، وفي لبنان ثمة أكثر من ديكتاتورية، وقد أنعم الله على كل طائفة بديكتاتور وأكثر.
استخدام القوة، وجوه ملثمة، ضرب معتصمين، وهل كان يطمح الفاسدون بأكثر من ذلك، أي أن يكونوا في منأى عن الملاحقة، من سرب معلومة يحاسب ولو بطرق بوليسية، ومن سرق بلدا فحر طليق، نحن في زمن جديد، والكل يدير الدولة بروحية ميليشياوية، لكن دون طلقة مدفع، ولا أدق من توصيف حالنا بأن ما هو قائم اليوم ليس بأكر من "ميليشيات بقفازات"!