#الثائر
هل سنعود إلى مطلع سبعينيات القرن الماضي يوم زجت السلطة السياسية بالجيش في مواجهة تظاهرات عمال "معمل غندور" ومزارعي التبغ؟ وهل سنشهد سقوط شهداء وجرحى إذا صار القمع سلاح السلطة؟ وهل سنكون أمام مرحلة جديدة من القمع والتسلط وفض اعتصامات ضربا بالعصي والهراوات؟ وحيال كل ذلك ثمة سؤال أيضا، كيف تعالج الدولة أزماتها بعيدا من سياسة القمع والضرب وانتهاك الحرمات؟
ما حصل في المنصورية أمس ليس مجرد حادث عرضي، لا بل هو ترجمة عملانية لما سبق وأكدته وزارة الطاقة من أن تمديد خطوط التوتر العالي محسوم ولو باستخدام القوة وبغض النظر عن توجسات المواطنين ومخاوفهم، ورب من سيأتي ويقول بأن لا مبرر لهواجس الناس وما من ضرر سيطاولهم، لكن ثمة سؤالا من يثق بدولة ردمت بحرها بالنفايات؟ ومن يطمئنُّ فيما الكسارات خارج سلطة القانون ومحمية ببدعة المهل الإدارية؟ وإذا كانت الدولة تقر بالفساد وتعجز عن مواجهته فهل نلوم الناس إن رفعوا الصوت؟
كل الدراسات العلمية أكدت وبما لا يقبل الشك أن من يقطنون قرب خطوط التوتر العالي معرضون لأمراض خطيرة، وأثبتت الدراسات أن الحقل الكهرومغناطسي الناجم عن هذه الخطوط يتسبب بسرطان الدم والدماغ وأنواع أخرى من السرطانات أيضا، فإلى أية دراسة استندت وزارة الطاقة؟ ولتظهر نتائجها أمام الملأ؟ وإذا كان الرافضون لتمرير خطوط التوتر العالي مشكوك بنواياهم فلتشكل لجنة تضم أشخاصا محايدين ولو استعنا بخبراء أجانب لنصل إلى مسلمة علمية تضع حدا لكل هذا السجال؟
ليس ثمة من يثق بالدولة، وهذه حقيقة مردها إلى ممارسات وفضائح، ولنقل الأمور صراحة دون مواربة، ولا بأس إن عدنا قليلا إلى أزمة النفايات في العام 2016 عقب إقفال مطمر الناعمة، فسنجد كيف أن اللبنانيين في كافة المناطق رفضوا إقامة أي مطمر، وجاءت فضيحة مطمر الناعمة لتقول "لا" مدوية، فهذه المنطقة الساحلية الواقعة بين الشوف وعاليه تحولت أرضا بوارا لا قيمة فعلية لعقاراتها، وقد وافق المواطنون على المطمر على قاعدة أنه ستطمر فيه العوادم ولمدة زمنية محددة، فماذا كانت النتيجة؟
ليس ثمة من يثق بالدولة، وبدلا من أن يسعى المعنيون إلى تبردي مخاوف الناس واستعادة ثقتهم بها، لجأت إلى القوة، فمن أعطى الأمر والتوجيهات؟ وهل سيحاسب؟
مما تقدم يبدو أن المشكلة لا تقتصر على خطوط التوتر العالي في المنصورية فحسب، وإنما ثمة حقل كهرومغناطسي سياسي ممغنط وبرعاية رسمية يصيب البلد ومن عليه!