#الثائر
كنا نؤثر ألا نتحدث عن الذكرى السنوية الرابعة والأربعين على اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، وكنا نتمنى أن تمر كذكرى عَبَرت، وألا نستحضرها حتى من قبيل التذكر أو استخلاص العبر، فالحرب إن لم تصل إلى خواتيمها بعِـــبَـــرٍ واضحة فمن العبث استحضارها بتمنٍّ وشعار ولا حتى بصلوات، والشعوب التي لا تتعلم من حروبها تظل في دائرة الاستهداف، تؤسس لحروب ونكبات وسقطات.
كنا نتمنى أن يمر هذا اليوم المشؤوم ونحن نتطلع إلى ما يطفىء هواجسنا، لا استحضارها في كل ما نعيش على إيقاع المشهد السياسي المحكوم بسقف توازنات لم تفض لغير ما يذكر بالحرب، وكأن ميثاق الطوائف قدرٌ يرهن المستقبل ويصادر الحاضر، ولم نتعلم من تجارب شعوب اكتوت بحروبها وتصالحت مع تاريخها، وما عاد يشغلها غير التطلع إلى مستقبل ترسم له الخطط لسنوات إلى الأمام.
الحرب في لبنان توقفت في ميادين القتال فحسب، ولما تزل تطل برأسها من بوابة الفساد والهدر والمحسوبيات والتوظيف العشوائي، ومن استجداء مطلب عام من زعيم ونافذ لا من الدولة باعتبارها حاضنة لجميع اللبنانيين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم ومناطقهم، وما تزال حاضرة في استباحة القوانين، أوليست الكسارات والمقالع شكلا من أشكال الحرب؟ أوليس العجز عن إطلاق خطة شاملة متكاملة لملف النفايات بمثابة حرب تستهدف صحة اللبنانيين؟ وهل ثمة فرق بين أن يموت المواطن بطلقة قذيفة أو من تلوث مسرطن؟ ومن ثمة مرت نحو تسع عشرة سنة واللبنانيون دون كهرباء ولا مياه ودون حد أدنى من خدمات صحية، ألا يقود ذلك إلى أن التأخر في إقرار خطة الكهرباء حتى العام 2019 هو نتاج فساد في حرب مستعرة أصابت وتصيب اللبنانيين بما يواجهون من مصاعب ومتاعب وإخفاقات؟
في الانتخابات النيابية الأخيرة، طرحت القوى الطائفية شعارات حربية أعادت تذكيرنا بالحرب الحقيقية، وكان يمكن أن تقود هفوة من موتورين من مختلف الطوائف إلى منازلات عسكرية، وتاليا، ماذا عن الأزمة الاقتصادية؟ أوليست هي الأخرى بعض أشكال حرب تستهدف لقمة عيش اللبنانيين وأمانهم الاجتماعي؟
ومن ثم ما الفرق بين من هاجر هربا من القذائف والدمار والتهجير وبين من هرب من واقع سياسي واقتصادي اجتماعي وبطالة وإذلال؟ أوليس استمرار مفاعيل الهجرة هو نتاج حرب أشد وأقسى؟
ثمة الكثير من الأسئلة تؤكد أننا ما نزال كلبنانيين في دائرة الخطر من حروب سياسية، خصوصا في ظل انعدام التوافق على مسلمات وطنية واضحة، والحروب السياسية تظل مشرعة على إبقاء الدولة رهينة الطوائف والطائفيين، ويبقى ثمة تساؤل أخير، هل انتهت الحرب اللبنانية فعلا؟!