"الثائر
- * " فادي غانم "
ليت السياسة في لبنان تكون على صورة محمياتنا الطبيعية، فسحة تفاؤل ومساحات خضراء رائعة، هدوءا وطمأنينة والكثير الكثير من الأمل.
بهذا الانطباع خرجنا بالأمس بعد نهار بيئي أخضر في اليوم الوطني للمحميات الطبيعة، وتأكدنا أن البيئة ملاذنا الآمن، لا السياسة ولا سردايبها المظلمة ولا غرفها المقفلة، ولئن كانت المحميات في لبنان بمعالمها الخضراء لا تشكل أكثر من ثلاثة بالمئة من مساحة لبنان، غير أنها كانت كفيلة بإراحتنا ليس من هموم السياسة فحسب، وإنما من كل الصخب المرافق لمعركة محاربة الفساد ، لا سيما وأن كوارثنا وأزماتنا هي نتاج المحميات السياسية وما فيها من ملوثات خطيرة تهدد حاضر لبنان ومستقبله.
ولأننا كنا نعلم أننا سنعود من رحاب محمياتنا الخضراء الرائعة إلى واقعنا السياسي المشرع على اليباس والمحكوم بالتصحر، حاولنا أن نحتفظ بجمال الأرض لنواجه ما نحن عليه من تردي أوضاعنا السياسية والاقتصادية، فالأخضر غالبا ما يرفدنا بكثير من القوة لنتمكن من الصمود في حاضِرة الآلام، ونحن لا نملك إلا أن نجذِّفَ في بحر هائج علنا نتمكن من الوصول إلى شاطئ أمان، خصوصا وأن العواصف لما تزل تتقاذفنا من أزمة إلى أزمة، ومن كارثة لأخرى.
وسنعود بدءا من اليوم إلى مماحكات لا تخلو من "عنتريات"، ومن باب المزايدات في موضوع محاربة الفساد ، فيما المطلوب حدا أدنى من الهدوء وترك القضاء يقوم بواجبه، غير أن الكل يريد التوظيف في هذا الملف، وأن يقنعنا أنه يريد فعلا أن يقتص من الفساد، وكأننا لا نعلم أن ثمة بين هؤلاء من سيطاولهم سيف القضاء كفاسدين درجة أولى، وهم لا يملكون إلا الهروب إلى الأمام، في مشهد يتسم بكثير من الوقاحة، وما لا طاقة لنا على احتماله أن هؤلاء اليوم يعظون وكأنهم ملائكة لا ينتمون إلى طينة الفساد وهم في مكان ما صانعوه، فكيف لنا أن نتحمل صخبهم؟
بين المحميات الطبيعية والمحميات السياسة بونٌ واسع وشاسع، الأولى تمدنا بجرعة تفاؤل وأمل، فيما الثانية تحيلنا إلى التساؤل وتأخذنا إلى ما يعكر صفو حياتنا، مع مسؤولين يكدرون كل شيء جميل.
ومع ما وصلت إليه الأمور في الأسابيع القليل الماضية، ومع ما سنشهد في الأيام المقبلة من مواعظ في موضوع الفساد والفاسدين، لا نملك إلا تمنٍ واحد، أن نجد الطريقة الأسرع لإيصال كلمتين لمن يحاضرون في عفاف المواقف وهم غارقون في المفاسد، رجاء اصمتوا وإلى الأبد!
*الحاكم السابق لجمعية أندية الليونز الدولية – المنطقة 351 (لبنان، الأردن، العراق وفلسطين)
*رئيس " جمعية غدي "