#الثائر
زار رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر ، بلدة نبع الصفا في الشوف، والتقى أهلها وأبناء البلدات المجاورة، واحتفل معهم بعيد تجلي الرب وبالذبيحة الإلهية، في باحة كنيسة التجلي، يحيط به النائب العام لأبرشية بيروت المونسنيور جوزف مرهج، والآباء الياس كيوان وجورج بدر وعمانوئيل قزي وجورج مسعود، في حضور عضو تكتل "لبنان القوي" النائب الدكتور فريد البستاني وممثلي أحزاب وهيئات بلدية واختيارية.
مطر
بعد الإنجيل المقدس، ألقى المطران مطر عظة، تحدث فيها عن عيد التجلي، فقال: "تجلي الرب على جبل طابور، ابن الله الذي له نسمع كما أوصانا الإنجيل المقدس. نذكر عيد التجلي وفي الوقت عينه نذكر نزول الوصايا العشر لموسى في جبل سيناء، ثم تجلي ربنا يسوع المسيح الكلمة الإلهي في الأرض المقدسة. ويقول بولس الرسول أن التجلي الأول كان عابرا مع أهميته، لأن الوصايا أعطيت لنا دليلا على الطريق إلى الله. أما في تجلي يسوع، وقد ظهر أنه هو الطريق والحق والحياة، فله نسمع. هو الكلمة الإلهي، المولود من الآب قبل كل الدهور، الذي نزل إلى أحشاء مريم وأخذ منها جسدا وضم إنسانيته إلى ألوهيته، وصار من نحبه ونعبده، ربنا يسوع المسيح الكائن منذ الأزل بلاهوته، وهو الذي قال لليهود، قبل أن يكون إبراهيم، أي منذ ألفي سنة، أنا كائن. ونحن نعلن في قانون الإيمان أنه مولود غير مخلوق".
اضاف: "ملكوت الله هو ملكوت العدل والأخوة والمصالحة والسلام والمحبة التي تربط الجميع بالجميع، لأننا كلنا مخلوقون بيد الله الواحد على صورته ومثاله. وكل نزاع بين أهل الأرض مرفوض من السماء، وكل تلاق بين أهل الأرض مبارك من السماء. هذا ما يجب أن نأخذه في قلوبنا لندرك حقا ما هي رسالتنا وما هي دعوتنا في هذه الحياة. إن هذا التجلي، لم يغب اليوم بل هو حاضر في الكون. المسيح يتجلى اليوم في كنيسته. الكنيسة خميرة الدنيا، محبة الفقراء، العاطفة على المظلومين، الداعية كل أهل الأرض إلى الأخوة. المسيح يتجلى في قديسيه وفي وجوه الأبرار المعروفين وغير المعروفين. ونقول بكل صدق وأمانة أن المسيح يتجلى، أيضا، بالمحبة أينما كانت. فحيث هي المحبة يظهر وجه المسيح، وحيث تغيب المحبة، يغيب وجه المسيح. فلنكن من الذين يحبون بعضهم بعضا ليتجلى المسيح فينا وعبرنا إلى العالم كله".
وتابع: "نحن نعرف أن جبالنا هي مقدسة من مصر إلى تركيا. على جبل سيناء كان التجلي لموسى، على جبل طابور كان تجلي الرب يسوع، على جبال لبنان تجلى الله بتوافق أبنائه ووحدتهم من كل الأديان والطوائف. وفي سوريا تجلى مار مارون وعدد من القديسين مثل سمعان العمودي. نحن محظوظون وأكاد أقول لكم، إن لبنان محظوظ أكثر من كل هذه الجبال، لأن الرب أراد لنا، من كل الأديان والطوائف أن نجتمع على الخير وأن يكون لنا وطن واحد نعيش فيه بمحبة وسلام وباحترام كل إنسان لدين الآخر وكرامته. دعوة لبنان هذه، هي دعوة عظيمة. والآن ندرك كيف أن الله حمى ويحمي لبنان ليكمل رسالته. هذا الشرق المعذب المعثر اليوم، لن يشفى إلا بروح لبنانية صافية، نعطيها بمحبتنا بعضنا لبعض، مثالا لإخوتنا، حتى يعيشوا كما نعيش نحن بمحبة وسلام".
ورأى أن "ما يجري في الغرب، أيضا، من بغض متبادل بين أصحاب الأديان، لا يحل إلا بروح تأتي من لبنان، روح سمحة، روح حوارية ومحبة. هذا أمر أساسي نقوله اليوم، في مناسبة عزيزة علينا، أبناء الجبل، مناسبة المصالحة التي تمت في زيارة أبينا البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير أعطاه الله العمر الطويل، إلى دار المختارة، حيث عقد لقاء تاريخي ذكرنا بلقاءات سابقة على مدى أجيال وأجيال في هذا الجبل الأشم وفي كل جبال لبنان. هذا الحدث ليس حدثا عابرا ولا حدثا ظرفيا وليس هو بحدث سياسي، هو حدث وطني وحدث إنساني كبير. فيه نعود كلنا بدعوتنا للحفاظ على لبنان الواحد والمتنوع في آن معا، فيه ندرك معنى رسالتنا كلبنانيين. لا نبتعدن عن هذه الرسالة أبدا، بل نقبلها بطيبة خاطر ونحمل مسؤولياتنا نحن وكل إخوتنا في هذا الجبل حتى نتمم مشيئة الله علينا. مشيئة الله أن نكون واحدا بالمحبة والخير لنبني معا لبنان الوطن الذي هو ليس كسائر الأوطان، بل له كرامته المثلى أمام الله وأمام التاريخ".
ولفت الى أن "الحضارات متنوعة. هناك حضارة القوة والبطش هذه ليست صفة إنسانية. هناك حضارة اللهو والطيش وليست هي حضارة إنسانية، بل تنسينا الإنسانية. وهناك حضارة الأخوة والمحبة، هذه هي الحضارة الإنسانية. لذلك علينا ألا نبتعد عن هذه الحضارة التي بنيت بقلوبنا عندما التقينا في هذه الجبال من كل الأديان واقتسمنا الرغيف معا وتحملنا الهموم معا وأردنا أن يكون وطننا فريدا متنوعا، ولكنه يحمل رسالة عظيمة للدنيا بأسرها، هل نتخلى عن ذلك؟ أبدا. الظروف هي ظروف والسياسة هي سياسة، لكن الحضارة هي الأقوى والأعمق. حضارتنا هي حضارة التلاقي وليس من حضارة سواها".
واردف: "للمسيحيين أقول، المسيح ليس ملككم، نحن ملك المسيح. والمسيح يقول: لي خراف أخر ليست من هذه الحظيرة. المسيح يحاكي كل الناس في كل الأديان. فلنكن واسعي الأفكار ولندرك أننا مدعوون أن نكون طلاب معرفة الله ومحبته على الدوام. والله يوفقنا في حياتنا وتصرفاتنا هذه. فنصل في هذا العيد المبارك على نية وطننا العزيز، ليبقى على رسالته وعلى أصالته، ولنصل على نية أهل الجبل حتى يثبتوا على الحق والمحبة والأخوة والسلام، فيكون مستقبلنا مضمونا من الله، أفضل من أن يضمن من البشر. ومن كان الله ضمانته، ضمن كل شيء. نصلي على نية المسؤولين في وطننا كي ينير الله عقولهم، فيعملوا لخير لبنان وشعبه وناسه. المسؤول مسؤول عن شعب والشعب له حقوق، أن ينظر إليه ويسمع إلى أنينه وتعبه. نحن لسنا هنا إلا لنخدم. الكاهن في كنيسته والسياسي في وطنه. والرب يقول: الكبير بينكم فليكن خادما لكم. الخدمة هي أساس الحياة السياسية كلها، الخدمة الصحيحة المحبة. فليعطنا الله هذا التجرد لنكون لا مخدومين، بل خادمين".
وختم: "عيد مبارك على لبنان والشوف الأبي والصفا، فيتجلى المسيح عبر وحدتنا ومحبتنا. هذا هو التجلي الذي يطالنا نحن، ونحن مسؤولون عنه ولا نحجبن وجه المسيح عن إنسان أبدا. فليكن الحب ديننا ونحن مسؤولون عنه إلى يوم القيامة".