#الثائر
- أكرم كمال سريوي
إن ما حدث خلال مناقشة البيان الوزاري من سجال وتخوين، وردٍّ عليه، من الساحات الى وسائل التواصل الاجتماعي ، خطير ليس بسبب ما قيل فقط، وهو ليس بجديد على مسامع اللبنانيين، بل بما تكشّف من هشاشة هذه الوحدة الوطنية، والانقسام الحاد بين مكوّنات الشعب اللبناني، وما يمكن ان ينتج عنه عند أيّ خلاف من استحضارٍ لشعارات الماضي وامتشاقٍ لسلاح التعصب الطائفي والضغائن المذهبية، ليصل الى السلاح المتفلّت والمنتشر بكثرة بين أيدي جهلةٍ أعمى الغضبُ عقولهم وقلوبهم وباتوا مستعدين لاستعماله في لحظة.
إن لجوء البعض الى النبش في دهاليز الحرب الأهلية وإثارة مسائل لا طائل منها، لا يُعبّر عن عقلانية وحسن تدبير، بل هو إذعانٌ للغرائز وعدم حسٍّ بالمسؤولية.
كثيرةٌ هي الأخطاء التي ارتُكبت خلال الحرب الأهلية التي تدخّلت فيها دولٌ عديدة من اميركا الى الاتحاد السوفياتي وأوروبا مروراً بالعراق وليبيا وسوريا وغيرها وصولاً الى الاحتلال الاسرائيلي للبنان.
وما يجب ان يتذكّره اللبنانيون هو ان تلك الحرب حدثت عندما احتدم الصراع السياسي الذي بدأ نقاشاً حاداً بهدف اصلاح نظامنا الطائفي وتطوير مؤسساتنا الدستورية، فحوّله البعض الى صراع مذهبي في شوارع بيروت، امتدّت نيرانه لتحرق لبنان وتدمّر حاضره ومستقبله. والاهم من ذلك ان تلك الحرب راح ضحيتها آلاف الشهداء والأبرياء من كل فئات اللبنانيين ومن مختلف المناطق، ودُمر اقتصاد لبنان وهُجّر قسم كبير من أهله، وعلى مدى خمسة عشر عاماً من الاقتتال والمجازر والفظائع، ارتكب اللبنانيون جريمة بحق أنفسهم ووطنهم، ودفعوا أثماناً باهضة لتلك المكابرة والفوقية وعدم سماع رأي الآخر، ليعودوا بعدها الى اللقاء والحوار والتفاهم فكان اتفاق الطائف، الذي رسم الحد الأدنى من الإصلاحات المطلوبة وارتضاه الجميع دستوراً جديداً للبلاد.
وبالطبع كان من الأجدى تغليب لغة العقل قبل بدء الحرب، لو توفر قليلٌ من الحكمة آنذاك عند بعض الساسة المتهورين الذين ادخلوا البلاد في صراعٍ مميت.
لقد اتفق اللبنانيون في الطائف، على طي صفحة الحرب، وتجاوز الأخطاء والخلافات، والعودة الى بناء الدولة بكامل مؤسساتها، فهل من يريد الآن العودة الى الحرب؟
إن التخوين والتهديد والتهويل لن يُنتج إِلَّا الحرب، فالبنية اللبنانية متآكلة وينخرها التعصب والطائفية والبغضاء حتى نكاد نقول ان هذه التعددية تحولت نقمة ومبعث انقسام وتشرذم.
وعلى مدى عقود تم توزيع الدولة اللبنانية واقتسامها بين الطوائف فبات كل مذهب لديه مدارسه وجامعاته ومستشفياته وقضاؤه ومؤسسته الأمنية، هذا اضافة الى الفرز المناطقي.
وعندما دار النقاش والبحث عن قانون جديد للانتخاب أتحفنا بعض المشبعين بالعنصرية والطائفية باقتراح ان ينتخب كل مذهب نوابه ليتم بذلك القضاء نهائياً على اي حلم بالدولة الواحدة او تفكيرٍ بالعدالة والمساواة بين المواطنين، ويصبح معها نوابنا ممثلين لمصالح الطائفة بدل ان يمثّلوا مصلحة الأمّة ويتحول الشعب شعوباً بل قبائل اشبه بنظام التاج البريطاني في القرون الوسطى.
نعم هذا هو واقعنا المأساوي، وإذا اصرّ البعض، خاصة من نوابٍ ومسؤولين، على استعمال لغة العنف والتهديد وإثارة الضغائن والأحقاد، قد ننزلق من جديد الى آتون الحرب التي اختبرها اللبنانيون مراراً وتكراراً ولم ولن تجلب لهم سوى الخراب والمآسي.
فماذا يجني البعض من الإساءة الى رئيس جمهورية سابق؟ او الى بندقية قاومت الاحتلال الاسرائيلي؟
فهذا خطاب اقل ما يُقال فيه انه غوغائية ضد الوطن ولا يخدم وحدته ومستقبله، ولبنان بغنى عن جوقات الشتم والشتم المضاد وارواح اللبنانيين ومستقبلهم ليس لعبة ليتقاذفها الرعاع على منابر الترهات والبطولات الوهمية.