#الثائر
جاءت العاصفة "نورما" لتحجب عن اللبنانيين بعض ما اقترفه المسؤولون عن ملف تشكيل الحكومة من ذنوب بحقهم، والكثير من تقاعس وتقصير، ولتملأ فضاءهم بالأمل مع ما تغدقه السماء من خيرات، ومهما كانت التسمية "نورما" أو "غطاس"، يبقى بياض الثلج طاغيا على الجبال، ليخلق للناس فسحة نضرة لا يشوبها سواد وظلمة، وغير ملطخة بمُلتبس المواقف وعقيمها، وخير ألف مرة أن يتابع اللبنانيون وقائع العاصفة من أن يتابعوا وقائع التأليف، وثمة فارق كبير بين الخير المثمر والشر تامقيم، ومهما اشتدت "نورما" وأرعدت وأزبدت جالبة الثلوج الوفيرة والأنواء العاتية ومعهما أضرارا طاولت مختلف المناطق، تظل تداعياتها أقل وطأة على لبنان من تعثر سياسي جعل من تشكيل الحكومة مهزلة وأضحوكة.
"نورما" وقد أطلت بعد طول انتظار، تحكم قبضتها اليوم على لبنان، تغدق خيراتها على جميع اللبنانيين، من كل الطوائف والمذاهب، لا تفرق بين منطقة بأغلبية سنية أو شيعية أو مسيحية أو درزية أو وأو وأو، ولا تقيم اعتبارا لتوازنات الطوائف والمناطق، ولا تعنيها الديموغرافيا اللبنانية من قريب أو بعيد، أما الحكومة فقد فرقت اللبنانيين وجعلتهم أسرى عصبيات زرعها المسؤولون بخطاب ما عادوا يسمعون غيره، حقائب لممثلي الصوائف، وحصصا وامتيازات، وتنابذ من أجل اقتسام دماء اللبنانيين.
"نورما" عاصفة هوجاء مصحوبة بمنخفض بارد وصقيع، لكنها أكدت أن لبنان قادر على مواجهة غضب وثورة الطبيعة، بجهود قواه الأمنية من جيش وأمن داخلي، فضلا عن الدفاع المدني والبلديات و الصليب الأحمر والهلال الأحمر وهيئات رسمية وأهلية، وهذا يعني أن ما شهدناه ونشهده مع العاصفة يعني أننا قادرون على مواجهة أحوال الطبيعة، ولكن عاجزين عن مواجهة أهواء السياسة المعطِّلة لتشكيل الحكومة المؤجلة إلى ما بعد القمة العربية الإقتصادية، وهذا ما أشار إليه أكثر من مسؤول لجهة أن وجود حكومة تصريف أعمال ليس سببا لتأجيل القمة، لأن الحكومة دستورية وتمارس عملها وفقا للصلاحيات والأصول.
"نورما" تخزِّن الخيرَ لربيع قادم ومياه هادرة دافقة، والسياسيون يعدوننا بفراغ وجدب ومحل، وبمواقف لا تجلب غير الخراب، "نورما" فأل خير، والمسؤولون قد يصبحون عبئا على لبنان وشعبه، ومجلبة لأزمات دائمة لا تنتهي، فهل يتعظ أهل السياسة من "نورما" ويتعلمون درسا من صقيعها لتعود الحرارة إلى قلوبهم وضمائرهم؟