#الثائر
" – أنور عقل ضو
استُشهد كمال جنبلاط بعد أن رفض الدخول إلى "السجن العربي الكبير"، وبعد أن واجه عسكريا الاجتياح السوري للبنان في المديرج وصوفر ومحطة بحمدون، في معركة غير متكافئة، وإن تمكنت قوات كمال جنبلاط من تدمير أولى الدبابات (الاستطلاعية) وأشعلتها على طريق صوفر الدولية، ومن واكب تلك الحقبة السوداء من تاريخ لبنان يتذكر كيف أَمطرت سماء الجبل "صواريخ غراد" كانت من حيث القوة النارية كفيلة بتحرير الجولان وأبعد من الجولان، وكانت أرتال الدبابات من دمشق إلى عاليه أقل مسافة منها إلى الأراضي السورية المحتلة في هضبة الجولان.
لسنا من هواة نبش القبور، لكن عندما تُزور الحقائق من قبل من لا يقرأون الماضي القريب، ولا يستقرئون عِبرَ التاريخ ويستحضرون منه ما يوائم مصالحهم، يصبح السكوت والتغاضي فعل تزوير يرقى إلى فضيحة وجريمة.
في تلك الفترة، عرف النظام السوري كيف يوظف الغرائز اللبنانية في أوج الحرب، فكانت مجزرة صليما وأرصون "رسالة" بالواسطة عبر "الكتائب اللبنانية" إلى كمال جنبلاط، ويوم اغتياله كان النظام السوري يعلم أن ردة الفعل ستكون بحق المسيحيين العزل، في تلك اللحظة التاريخية ظهر وليد جنبلاط وامتلك زمام الأمور، وسارع إلى وقف المجزرة.
بالنتيجة كان المسيحيون والدروز وقودا في مشروع جهنمي، وكانت الوصاية السورية بمظلة عربية، وجرَّت على لبنان حروبا وويلات ومجازر واغتيالات، وكان ثمة مشروعان يتنافسان على استباحة لبنان، وكان وليد جنبلاط في الجانب المعادي لإسرائيل، وكان خصومه في المقلب الآخر، ويوم هزم المشروع الإسرائيلي بعد اغتيال الرئيس بشير الجميل، كان ثمة من نقل البندقية من الكتف الإسرائيلية إلى الكتف السورية.
لا ننكأ جراح الماضي، لكن نورد بعض محطات هذا التاريخ الأسود، لنؤكد أن الجميع انغمس في مشاريع أوصلت لبنان إلى الخراب، وليس ثمة من هو بريء، وإن اختلفت التوصيفات بين "الوطنية والعمالة"، كان الجميع منضوين في محاور إقليمية ودولية وسط خطوط حمر وضعها الأميركيون والسوفيات في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي.
كانت علاقة جنبلاط بالسوريين محكومة بمواقف الضرورة، وأُقفلت أمامه كل الخطوط إلى دمشق يوم رفض التمديد للرئيس إميل لحود، وقال "لا" مدوية للنظام السوري، الذي أوصل أولى رسائله عبر محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، والقصة في ما بعد معروفة وحاضرة في الذاكرة القريبة لدى جميع اللبنانيين.
كل الخوف وسط ما نشهد اليوم من تطورات خطيرة، أن يصل الجميع إلى حافة الهاوية، وقد نصل – لا قدر الله – إلى دعوة وصيٍّ ما، ومرة جديدة إلى لبنان، وأن نسمع من يردد "نحن الضيوف وأنت رب المنزل"، خصوصا وأن من لا يستفيد من دروس وعبر التاريخ يكون كمن يضع مسمارا في نعش لبنان!