"الثائر"
تمر المناسبات والأعياد ولبنان في دائرة العجز، غير قادر على إدارة أموره بحكومة أصيلة، مفترض أنها حكومة وحدة وطنية، غير أن تعثر تشكيلها لغاية الآن يؤكد عمليا أن لا وحدة وطنية بمعناها الحقيقي، وما نراه ليس أكثر من تعايش بالإكراه بين طوائفه ومكوناته السياسية، وهذا ما يولد العجز أحيانا، والبلادة في أحيان كثيرة، ويبقى العناد سيد المواقف، وندعي استقلالا وحرية وتجربة ديموقراطية هي في المحصلة مجرد عنوان أجوف وبلا مضمون، "ديكور" يزيِّن التخلف والفوضى.
إذا ما قمنا بمقارنة بين لبنان والدول النامية (المقارنة لا تصح مع دول العالم المتقدم)، نجد أننا تراجعنا إلى مستوى بلد متخلف، نعم، لبنان بلد متخلف، فلا يطالعنا أحد بعض اليوم ليتغني بلبنان والعنفوان والأرجوان ومصدِّر الحرف، حتى هذا التاريخ السحيق ملتبس، وأقصى ما كان عليه الفينيقيون أنهم كانوا تجار خشب، وأشجار الأرز في جباله سلعة وأحراجه تحتطب، ولا نسقط أن الفينيقيين أسسوا حضارة، ولكن شأنهم في ذلك شأن أمم أسست حضارات أيضا وتركت للإنسانية إرثا من العلوم والفلسفة والشعر والمسرح كالحضارة الإغريقية، فضلا عن حضارة مصر القديمة.
قد يزعج هذا الكلام كثيرين، لأننا كبرنا على وهم أن لبنان صانع التاريخ، وأننا صدرنا الثقافة إلى العالم، ولا زلنا نتغنى بأن لبنان "قطعة سما"، فيما هو اليوم على شفا التصحر، وشواطئه مكبات زبالة ومجارير طافحة، وجبال تختفي وغابات تُجرّف لصالح سدود ومرامل وكسارات، أما الفساد المعشش في إداراته وتنامي دينه العام، فذلك يعني أن التخلف سمة راسخة اليوم بأكثر من ذي قبل، والآتي أعظم إذا لم نتنبه لحالنا، فقد ننحدر من بلد نامٍ إلى بلد فقير.
نعم لبنان بلد متخلف، وما عادت المكابرة تجدي، وما كانت المشكلة يوما في اللبنانيين أنفسهم، وقد غزوا العالم بعلمهم وكفاءاتهم وساهموا في تأسيس دول سبقتنا في مسار التقدم، من السياسة إلى الاقتصاد والعلوم والتجارة والصناعة، وعندما يضيق لبنان بأبنائه غير قادر على استيعاب وتوظيف طاقاتهم ويشرع للعقول أبواب الهجرة، فذلك بداية التخلف.
عندما نتمكن من تشكيل حكومة ونصبح قادرين على إدارة شؤوننا الداخلية نكون قد بدأنا نستعيد ما يؤكد أننا دولة ووطن، وطالما أن لا حكومة فلا نبالغ إن قلنا أن لبنان بلد متخلف لا يتقن إلا تصريف الأعمال!