#الثائر
- * " فادي غانم "
منذ احتدام أزمة تشكيل الحكومة ، طالعنا كــــمٌّ هائلٌ من تصريحات نارية من سائر القوى السياسية، وجدت صدى لها من المؤيدين عبر "السوشيال ميديا"، وسط ظاهرة على كثير من الخطورة، إن دلت على شيء فعلى تموضع اللبنانيين في مواقع لا تحتمل وجهة نظر الآخر، وإلا كيف نفسر الاندفاع دون وعي نحو مساجلات أقل ما يقال فيها أنها خاوية من أي مضمون غير التعصب، وما كان التعصب يوما إلا أعمى، متفلت من قيم ومناقب وأخلاق.
وما يُبقي هذا الواقع مأساويا يتبدَّى في أن ليس ثمة استثناء يمكن البناء عليه لبلورة وعي سياسي ومجتمعي، وحده الكفيل بانتشال لبنان من وهدةِ التعصب والتخلف، فيما النخب المثقفة بأبعد من انتماءات حدودها الطوائف، تم إقصاؤها عن مواقع القرار بـ "خيارات ديموقراطية" تلغي بالانتخاب أصحاب الكفاءة، وتقضي في صندوقة الاقتراع على أي أمل بالتجديد والتطوير والعصرنة وبناء الدولة الحديثة.
نُفاجأُ أنه من حين لآخر تتوالى الدعوات إلى التهدئة من القوى السياسية عينها التي انحدرت إلى حد استحضار التعصب والتشهير بالآخر، لكن هذه القوى لم تتساءل يوما عن سبب هذا الانفلات، وما سر هذه الغوغاء وهي تحاصر العقل وتبقيه مأزوما معطلا، وتبقي المدى مشرعا لغرائز قابلة للتموضع وإطلاق مواقف شوهاء.
لم تدرك القوى السياسية بسائر تلاوينها، والمستسلمة لفكرة أنها حققت "مكاسب وانتصارات" في انتخابات نيابية فصلتها على مقاسها، أن التعصب دينها وديدنها، وأنها بخطابها القاصر عن الارتقاء إلى مستوى وطن ودولة، تزرع بذور الشقاق والفتنة داخل الطوائف عينها وفي ما بينها أيضا، ولم تدرك كذلك أن لبنان فضاء إنساني يعيش فيه ويموت دونه، فيما النزعات الفئوية تظل أحد أسباب تخلفه، وأي مطالعة ومقاربة لمحطات سابقة منذ نشوء لبنان كيانا مستقلا، تؤكد أن لبنان لم يستفد من التنوع يوما، حتى في أوج فترات الإزدهار.
لا نعلم لماذا لم تبادر الأحزاب والقوى السياسية كافة إلى تبني قراءة نقدية لفترة ما بعد الانتخابات وأزمة الحكومة المستمرة، علها تعرف أن قواعدها غير محصنة بمنظومة قيم ومناقب، وستصل لزاما إلى قناعة أن السياسة أخلاق أولا، وتاليا هي أفكار لا يمكن أن تتبرعم مع خطاب ذي نزعات فئوية وتوجهات إقصائية!
*الحاكم السابق لجمعية أندية الليونز الدولية – المنطقة 351 (لبنان، الأردن، العراق وفلسطين
*رئيس " جمعية غدي "