#الثائر
– أنور عقل ضو
عندما نستمع لخطاب مسؤول في لبنان يضمِّنه مواقف وآراء من أزمات لبنان والمنطقة والعالم، نعلم أن محازبيه والمناصرين والأتباع يرفعون تلك المواقف إلى مرتبة القداسة، فبالأمس جاءت مواقف عدة من مجموع القضايا الحاضرة في الصراع الداخلي من تشكيل الحكومة لأمد غير محسوب والواقع الاقتصادي إلى الواقع لإقليمي والدولي وتداخلهما لبنانيا، لكنها تحولت كلاما منزها عن الخطأ في منظور المحازبين والمناصرين والمريدين.
لكل فريق سياسي أن يعبر حكما عن توجهاته، وهذا من صلب نظامنا الديموقراطي، لكن هل من حاول محاججة أي لبناني ينتمي إلى فريق بعينه؟ لو فعل، فسيصطدم بقناعة أن زعيمه ورئيس حزبه أدلى بحجج بينات لا تقبل النقد، والأمر يطاول سائر القوى دون استثناء، حتى أن معظم الأحزاب العلمانية "قَوْلبت" خطابَ المسؤول، وتعطل لديها النقد وغطت في سبات سياسي، يبدو حتى اللحظة أنه سبات عميق لا فكاك منه.
حيال هذا الواقع، تضيق مساحة النقد، ذلك أن الانتماء بعيدا من لغة العقل يكون مجلبة لخلافات، وهذا ما نشهده مع تراجع الخطاب السياسي والتراشق بين مسؤولي الدرجة الثانية والثالثة عبر وسائل الإعلام، والكل يدافع عن مقولة المسؤول في ما يشبه "القتال" في ساحات الوغى، ما يذكر بالحروب المقدسة التي تجاوزها العالم باستثناء الماثل في عالمنا العربي والإسلامي، ونعيش بعض فصوله في "مقدس" داعش وأخواتها وصولا إلى دول بعينها كتركيا الأردوغانية الطامحة لاستعادة زمن الخلافة وعينها على "احتلال" أوروبا، وهذا ما عبر عنه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ، يوم نقل عن سفير تركيا في مقدونيا (أوروبا) أن مواطنا أوقف سيارة سفيره وقال له "نحن ننتظركم من مئة عام"! في حنين إلى زمن أسلافه العثمانيين، فضلا عن إيران المطمئنة لما تبنته من نموذج يعبر عن الوجه الآخر للخلافة وإن بمنظور اجتهادي آخر يبقي الحكم فيها ثيوقراطيا، إضافة إلى إسرائيل وما تمثل من كيان مغتصب محكوم برؤية توراتية إلهية، وسط اعتقاد بأن الله قدم ملكية الأرض لليهود بتوكيل لأحد أنبيائهم.
ولبنان ليس استثناء في هذا المحيط "الإلهي"، وأكثر ما تتجلى "الحروب الطائفية" على وسائل التواصل الإجتماعي، وهي في غالبيتها متفلتة من كل القيم والاعتبارات الأخلاقية، ما يؤكد أن واقعنا اللبناني يشهد حالة من التفسخ تجد متنفسا لها على "السوشيال ميديا"، وهي "حروب" - صحيح أنها "نظرية"، أي لا تترتب عليها نتائج مدمرة في الواقع المعاش، إلا أنها تلحق بالغ الضرر في المنظومة القيمية (قِيَم) للأديان السماوية ولأحزاب السلطة وسائر القوى المتناحرة.
في لبنان، ممنوع أن تنتقد إلا من خلال السير بتؤدة بين الكلمات، وكأن الناقد يسير في حقل ألغام دون خارطة يمكنه الاستدلال بها ليحاذر في سيره متجنبا مواقعها، وعليه أن يجيد اختيار مفرداته، واعتماد المرونة في صوغ عباراته، خصوصا وان الألغام قابلة للانفجار مع "زلة قلم"، وهذا مرده إلى أننا نعيش في زمن "الأنبياء"!