#الثائر
ما سلطت قناة " المنار " الضوء عليه في موضوع الهدر والفساد، لا يمكن أن يكون أمرا عابرا، خصوصا وأن المعلومات استقتها من رئيس "الهيئة العليا للتأديب" القاضي مروان عبود، الذي استفاض في الحديث عن "الإدارات المهترئة والبلد المتعفن"، والتعبير لـ "المنار" أيضا.
لم يصدر الحديث عن الفساد من جهة سياسية، ولا من مواطنين اكتووا بأزماتهم في مختلف مرافق الحياة، وإنما جاء على لسان قاض معني بهذا الملف، أي أنه مواكب لمسلسل الفساد القائم، ومن المؤكد أن مساعيه "التأديبية" اصطدمت بإملاءات السياسيين المتمكنين في الدولة، ولم يكن ثمة مجال أمامه إلا الحديث جهارا عن مواقفه، بجرأة المسؤول الواثق، وهذا ما يؤكد أن بعض القضاء في لبنان يمثل اللبنة الأساس في استعادة الدولة كبنيان متراص، وأن ثمة أملا معقود على من يتمتعون بجرأة القاضي عبود، الذي ما توانى عن الحديث عن أحد أخطر مكامن الهدر والفساد.
موظفون مرتشون كبارا وصغارا، ومحميات وظيفية، وملفات هدر واختلاس تقفلها الوصايات السياسية، وهي بكل المقاييس فضيحة سياسية من العيار الثقيل، تتطلب أولا المضي قدما في إعادة فتح ملفات أغلقت، ودعم القاضي عبود لا تيئيسه وإحراجه، ففي كلام قاض بينات ومعطيات تدحض كل تضليل.
وكان القاضي عبود استشرافيا في لَـــحظِــــهِ لواقعنا المأزوم سياسيا وأخلاقيا، عندما رأى أن واقعنا الإداري لا يحتمل ترف انتظار استخراج تشكيلات حكومية، ورأى أن هناك انهياراً وتدنياً في مستوى الخدمات وسوء تصرف من قبل الموظفين العموميين، مشدداً على وجوب عدم انتظار الحكومة، ولافتاً الى أن ثلثي الدولة معطوب "تلت بيقبض وتلت ما بيشتغل وتلت أوادم".
وما هو أخطر، جاء في دعوة عبود وجوب طرد نصف الموظفين في الدولة اللبنانية بتهم الفساد، واذ لفت الى أن ماكينة الدولة لا تزال عاجزة ومشلولة حتى الآن، سأل عن المسؤول عن هذا الوضع، ورداً على سؤال عن سبب بقائه في القضاء، قال: "لو عندي دكانة فلافل ما بقعد دقيقة بالقضاء"، لافتاً الى أن إمكاناته المالية لا تسمح له بترك وظيفته.
أن يضطر قاض أن يقايض وظيفته بـ "دكان فلافل" مع انحائنا لمن يبيع الفلافل وتقديرنا لعرقه وتعبه في تحصيل لقمة عيش حرة كريمة، فذلك سقوط ما بعد سقوط، ولا نملك مع القاضي عبود إلا أن نصرخ بسخرية ووجع لـ "تحيا جمهورية الفلافل"!