"الخروج المريب".. كيف وصلت رأس توت عنخ آمون إلى بريطانيا؟ |
2019
تموز
17
|
منوعات
سكاي نيوز عربية
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#الثائر
مقارنة بتحتمس الثالث الذى خاض 17 معركة حربية ولم يُهزم في أي منها، وحول مصر من مملكة لإمبراطورية، فإن الشاب توت عنخ آمون ملك غير مؤثر في تاريخ مصر القديمة، بل نبع تأثيره بعد وفاته بقرون، وتحديدا في عام 1922، حينما تم اكتشاف مقبرته رقم 62 في شرق وادي الملوك بمحافظة الأقصر، بصعيد مصر.
ويقول المؤرخ بسام الشماع الباحث في علم المصريات: "حتى إن الزخارف التي تزين مقبرة توت عنخ آمون مرسومة وليست منحوتة (في إشارة إلى كون الملك الشاب شخصية غير مؤثرة)، المثير في الكشف كان العثور على 5893 قطعة أثرية بداخلها"، لكن الرأس التي بيعت مؤخرا بنحو 6 ملايين دولار، رغم اعتراض مصر، لم تكن من بين هذه القطع المكتشفة.
ويعتقد الشماع أن "المكان الأصلي" للرأس، وهي بنية اللون ومصنوعة من حجر الكوارتزيت، "كان في أغلب الظن، في معبد الكرنك"، ليتفق بذلك مع قاله لموقع "سكاي نيوز عربية" كل من الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري، ووزير الآثار السابق زاهي حواس.
ماذا فعلت كريستيز؟
يرجح الشماع أن الرأس التي يرجع تاريخها لأكثر من 3000 عام وبيعت في دار "كريستيز" للمزادات في لندن "كانت موجودة في معبد الكرنك الذي يعد أكبر معبد واقف في العالم"، مضيفا: "لم ألاحظها في أي متحف".
وفي بيان ينقصه الوضوح، وغير معتاد أن يصدر عنها بمثل هذه الصيغة، اكتفت "كريستيز" بنشر قائمة بأسماء مالكي التمثال على مدى الخمسين عاما الماضية فقط.
وقالت دار المزادات إن قطعة الرأس تم الحصول عليها من تاجر الآثار هاينز هيرزر في ألمانيا عام 1985، وقبل ذلك اشتراها السمسار النمساوي جوزيف ميسينا في الفترة ما بين عامي 1973 و1974.
كما قالت إنها كانت ضمن مجموعة الأمير فيلهلم فون ثور أوند تاكسي في حقبة الستينات، بينما يعلق الشماع بقوله: "لا أثق فيما زعمته كريستيز بشأن ملكية القطعة للأمير في حقبة الستينات".
وأضاف: "دار كريستيز لديها جيش من علماء التاريخ والآثار الذين يشرحون الأثر بدقة متناهية"، كما تتعاون مع "مثمنين" لتحديد قيمة الآثار.
وتابع: "هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها كريستيز لا تحدد تاريخ الأثر بدقة متناهية، كما أنها لم تطلعنا على مستندات إثبات الملكية، يبدو أنها لا تريد أن تقول ما تعرفه، الأمر الذي يجعلني أشك في كيفية حصولها على القطعة".
وأردف: "ليس صعبا على كريستيز أن تعرف كيف خرجت القطعة من مصر (..) الطريق لمعرفة أصل ملكية القطعة يبدأ من سؤال عوائل مالكيها السابقين".
وكانت لايتيتيا ديلالوي رئيسة قسم الآثار في كريستيز قالت إن القطعة "المشهورة جدا لم تتم المطالبة بها من قبل"، لكن بسام الشماع يرى أن "الادعاء بعدم المطالبة بها لا يعطي كريستيز الحق في بيعها"، قائلا: "ما حدث ليس شائعا في مزادات الآثار".
ولم ترد دار مزادات كريستيز على طلب موقع "سكاي نيوز عربية" للتعليق.
كيف خرجت الرأس؟
ربما يؤدي معرفة أهمية القطعة الأثرية إلى تتبع طريق خروجها من مصر، حيث يقول الشماع إن قطعة الرأس للملك الشاب لكنها بملامح الإله آمون، مضيفا "الملوك في مصر القديمة كانوا يأمرون بنحت تماثيل لهم قريبة من ملامح الإله آمون، وهو رب الشمس الأسطوري الخفي".
وأوضح أن "بقايا صغيرة من أثر ريشتين كانتا تعتليان رأس القطعة، فالرب الأسطوري كان يتم تجسيده في التماثيل برأس رجل ذكر تعتليه ريشتان يحرك بهما الرياح، أما التمثال الذي باعته كريستيز كان دون الريشتين".. فأين ذهبتا؟
يرد الشماع: "إما أن تكونا ملتصقتين بالحجر الذي تمت السرقة منه، أو تم كسرهما وبيعهما على حدة"، مضيفا: "من الصعب رصد حادث سرقة لقطعة بعينها".
ويظن المؤرخ في علم المصريات أن يكون وراء مثل هذه الحالات ما سماه "الحصر أو الاستخراج خلسة"، حيث يكتشف منقبون أو يسرق لصوص من أحد المعابد أو المتاحف قطعا أثرية، ويهربونها بعيدا عن أعين هيئة الآثار أو الشرطة، ثم تتفاجأ الدولة بقطع أثرية خارج البلاد دون أن تكون مالكة لوثائقها.
"السرقة المشروعة"
المعلومة المؤكدة من جميع الأطراف الآن هي خروج رأس توت عنخ آمون من مصر، في فترة زمنية غير محسومة، لكن طريقة الخروج، التي تبدو أنها قانونية، تثير الكثير من الجدل وعلامات الاستفهام.
يقول الشماع لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه إذا كان التمثال خرج قبل عام 1983، وهو الأرجح وفقا للقائمة التي أصدرتها كريستيز، فقد يكون الخروج تم بطريقة مشروعة، "فالقانون في مصر كان يسمح ببيع الآثار".
وفي هذا الإطار، يقول وزير الآثار السابق زاهي حواس لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه "قبل عام 1983، كان يمكن لأي شخص يمتلك قطعة أثرية، ليست مسروقة، أن يصدر ختما من المتحف المصري يوثق عدم سرقتها"، ورغم ذلك أكد أن "حالات التوثيق شهدت تزويرا للحقائق".
ويعتقد حواس أن رأس توت عنخ آمون خرجت من مصر تحديدا بعد عام 1970، وعن السبب وراء ذلك، قال: "في هذه الفترة، كان المسؤولون عن الآثار يخشون إبلاغ مصلحة الآثار عن السرقة".
وكانت مصر أصدرت، عام 1983، قوانين تحظر نقل الآثار خارج البلاد.
ويصف الباحث والكاتب أشرف العشماوي قانون 1983 بـ"النقطة الفاصلة في تاريخ نظام قسمة الآثار"، إذ أقر قسمة 10% فقط من القطع المكررة، وأن يكون اقتسام هذه النسبة "لأغراض البحث العلمي، والعرض المتحفي، ولا يجوز للبعثات الأجنبية الاتجار فيها".
وظل هذا القانون ساريا حتى صدور تعديل لقانون الآثار، في فبراير 2010، يقضي "بأن تصبح جميع الآثار المكتشفة من البعثات الأجنبية أو المصرية ملكا لمصر".
ماذا حدث قبل 1983؟
بحسب العشماوي، أسهمت الضغوط الدولية في خروج بعض آثار مصر. ففي مؤتمر القاهرة الدولي الأول للحفريات عام 1937، نصت "توصية خطيرة" في اختتام أعماله على أن تساعد الحكومة المصرية الهيئات والمتاحف في تملك القطع المكررة، وأن تمنح المنقبين حصة فيما يكتشفونه.
وبالفعل، اقتسمت البعثات الأجنبية مجموعات أثرية مصرية نادرة، في ظل ضعف الرقابة على أعمال تلك البعثات، وعدم وجود ضوابط صارمة لأعمال التنقيب.
وفي كتابه بعنوان "سرقات مشروعة" الصادر عام 2012، يقول المستشار أشرف العشماوي، وهو قاض مصري سبق أن ندب مستشارا قانونيا للمجلس الأعلى للآثار وتولى مسؤولية ملف استرداد الآثار المهربة، إن قانونا صدر عام 1951 كان من المفترض أن يقضي على تجارة الآثار.
لكنه، وفقا للعشماوي "كان أكثرها تشجيعا على التهريب والسرقة والاتجار"، بسبب إرسائه مبدأ "القسمة" مع البعثات الأجنبية التي يراها بابا للتفريط في "أكثر من نصف آثارنا"، وتضاف إليها مئات من القطع المهداة من بعض حكام مصر للأجانب حينها.
ويوضح العشماوي أن قانون 1951 الذي كان يحظر تهريب الآثار "ترك ثغرة تسمح بمرور متحف كامل للخروج القانوني من مصر"، حيث نصت إحدى مواده على السماح بتبادل الآثار المكررة مع المتاحف أو الأشخاص أو بيعها أو التنازل عنها للهيئات أو الأفراد المصرح لهم بالتنقيب.
وفي عام 1970، أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) اتفاقية بشأن الوسائل التي تستخدم لحظر ومنع استيراد ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة.
وتنص المادة الـ13 من هذه الاتفاقية، المنشورة على موقع اليونسكو، على أن تقبل دعاوى استرداد الممتلكات الثقافية المفقودة أو المسروقة التي يقيمها أصحابها الشرعيون.
وفي نفس الوقت نصت المادة السابعة من نفس الاتفاقية على أن تكون تلك الممتلكات مدرجة في قائمة جرد المؤسسة المسروقة. فهل تمتلك مصر دليلا يثبت ملكيتها رأس توت عنخ آمون؟
مصر تبحث عن صور
يقول عالم الآثار والوزير السابق زاهي حواس لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "أغلب" القطع الأثرية الموجودة في المتاحف والمخازن والمقابر مسجلة لدى وزارة الآثار، لكن الأمر يختلف بالنسبة لتلك القطع الموجودة في المعابد.
وأضاف: "من الصعب تسجيل آثار المعابد، لذلك نحن نبحث عن الصور القديمة لإثبات ملكيتنا رأس توت عنخ آمون".
ويعتقد حواس أن القطعة سُرقت من معبد الكرنك، قائلا: "الأدلة تشير إلى ذلك"، وأوضح أن اللجنة القومية لاستعادة الآثار تعمل حاليا على البحث عن الصور القديمة التي تثبت وجودها في المعبد.
وأكد حواس، وهو أحد أعضاء اللجنة التي يترأسها وزير الآثار خالد العناني، أن "اللجنة تنظر الآن في أرشيف صور معبد الكرنك لإثبات مكان الرأس".
وكشف حواس لموقع "سكاي نيوز عربية" عن تعاقد مصر مع "مكتب محاماة كبير" من أجل مقاضاة دار مزادات "كريستيز" في بريطانيا.
وأضاف: "في حالة عثورنا على الصور فستكون هنالك حجية كبيرة جدا لمقاضاة دار مزادات كريستيز (..) نحن خصصنا مكتب محاماة كبير من أجل ذلك".
وتابع: "دار كريستيز نشرت معلومات مضللة بشأن مالك القطعة الأصلي".
وعن تصوره لكيفية خروج القطعة من مصر، تحدث حواس عن "عصابات دولية تسرق الآثار"، مشيرا إلى أزمة آثار البر الغربي بالأقصر التي اندلعت بين مصر وفرنسا عام 2009، عندما شاهد حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار حينها أربع قطع مهربة من مقابر الأشراف بالبر الغربي معروضة في متحف اللوفر.
ومن أجل استعادة المسروقات، أعلن حواس وقف التعاون مع بعثة اللوفر في مصر ما لم تعد فرنسا ما لديها من آثار تقتنيها بطرق غير مشروعة، وهي المحاولة التي آتت ثمارها.
وعن المعاملة بالمثل في حالة رأس توت عنخ، قال حواس: "هذا يعني إيقاف 18 بعثة بريطانية بينما الوضع مختلف، فالحكومة الإنجليزية لم ترتكب أي خطأ؛ إنما من قام بالاقتناء والبيع غير القانونيين صالة مزادات خاصة".
وتابع: "الحالة الوحيدة التي سنقاضي فيها الحكومة البريطانية هي إذا سمحت بتصدير الرأس خارج البلاد".
سكاي نيوز -
|
|
|
|
|
|
|
|
|