رئيس الجمهورية يحضر قداس اليوبيل المئة وخمس وعشرين سنة لكاتدرائيّة مار جرجس |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#الثائر
حضر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ، مساء اليوم، القداس الاحتفالي الذي ترأسه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في كاتدرائية مار جرجس للموارنة في وسط بيروت، لمناسبة اليوبيل المئة وخمس وعشرين سنة على تدشينها في العام 1894. وكان الرئيس عون وصل السادسة مساء الى الكاتدرائية حيث كان في استقباله عند مدخلها الرئيسي النائب البطريركي العام المطران حنا علوان وراعي ابرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر اللذين رافقاه وسط تصفيق الحضور الى داخلها، ايذاناً ببدء الاحتفال. وحضر القداس الاحتفالي: نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني، وزير الدفاع الوطني الياس بو صعب، وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش، وزير شؤون المهجرين غسان عطالله، والنواب ابراهيم كنعان، نعمة طعمة، عماد واكيم، نقولا صحناوي، الان عون، ميشال معوض، نعمت افرام، فريد بستاني، انطوان بانو، نديم الجميل، بيار ابي عاصي، حكمت ديب، بولا يعقوبيان وفيصل الصايغ، اضافة الى رئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان، ورئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد. كما حضر الرئيس حسين الحسيني والرئيس فؤاد السنيورة والرئيس سمير مقبل، وحضرت السيدتان الاوليتان السابقتان صولانج الجميل ومنى الهراوي الى جانب حشد من الوزراء والنواب السابقين، وكبار الموظفين المدنيين والعسكريين والقضاة، وعدد من السفراء، ورئيس الرابطة المارونية نعمة الله ابي نصر. وحضر الاحتفال ايضا عدد من ممثلي رؤساء الطوائف وحشد من الاساقفة والآباء العامين، والقائم بأعمال السفارة البابوية في لبنان المونسنيور ايفان سانتوس، اضافة الى عميد السلك القنصلي جوزف حبيس ونقيب المحررين جوزف قصيفي وعدد من رؤساء البلديات والاخويات وحشد من المؤمنين. وعاون البطريرك الكاردينال الراعي في الاحتفال الى المطرانان علوان ومطر، راعي ابرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون، وراعي ابرشية مار شربل المارونية في الارجنتين المطران يوحنّا حبيب شاميّة، وكهنة الكاتدرائية، وخدمته جوقة الابرشية.
كلمة المطران مطر وبعد نشيد الدخول، القى المطران مطر كلمة ترحيبية بالرئيس عون والحضور جاء فيها: "بِاسمِ صاحبِ الغبطةِ والنِّيافةِ أَبِينَا الكاردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي بطريرك إنطاكية وسائر المشرق الكلِّيِّ الطُّوبَى وصاحبِ الدَّارِ في هذا المَقَامِ وفي أَيِّ مَقَامٍ لِلمَوارنةِ في لُبنانَ وفي العالَمِ، وَبِاسمِ أَبرشيَّةِ بَيروتَ الَّتي تَفتخِرُ بِانتمائِكُم الرُّوحيِّ إليها، نُرحِّبُ بكُم يا فخامةَ الرَّئيسِ وقد شِئْتُمْ أن تَكُونُوا على رَأسِ المُصلِّينَ في هذا الهَيكلِ المُبارَكِ لِمُناسبةِ مُرُورِ مئةٍ وخمسةٍ وعشرينَ عامًا على رَفعِهِ في قَلبِ مَدينتِنَا بَيروتَ لِمَجدِ اللهِ وَإِكرامِهِ. وإنَّنا نَسألُهُ تَعالَى أَن يُبَاركَ رِئاسَتَكُم لِلبِلادِ وأن يَرْعَاكُم بِعَينِ عِنَايتِهِ، لِتثبِّتُوا لُبنانَ في القُدرةِ على حَمْلِ رِسَالتِهِ الإنسانيَّةِ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَتَقُودُوا سَفينَتَهُ إلى شَاطئِ الأَمْنِ والخَيرِ والسَّلامِ. وإِنَّنا بِاسمِ أَبرشيَّةِ بَيروتَ كهنةً ومُؤمِنينَ، نَتَقدَّمُ منكُم يا صاحبَ الغبطةِ والنِّيافةِ، أَبَانَا وَرَئيسَ كنيستِنَا المُوقَّر، مار بشاره بطرس حَفظهُ اللهُ، بِأسمَى مَشَاعرِ الشُّكرِ والامتنانِ لِقُبُولِكُم دَعوَتنَا إلى الاحتفالِ بهذا اليُوبِيلِ الفَارِحِ لِكاتدرائِيَّتِنَا، وَلإِقامةِ الذَّبيحةِ الإلهيَّةِ في هذه المُناسبةِ على نيَّةِ الأيَادِي الَّتي رَفَعَتْها والأحبارِ الَّذين علَّمُوا فيها الإيمانَ والَّذين رَمَّمُوهَا، وعلى نيَّةِ جميعِ الَّذينَ صَلُّوا في أَرجائِهَا على امْتِدادِ كلِّ هذا الزَّمنِ وعلى نيَّةِ الَّذينَ مَدُّوا لنا في المرحلةِ الرَّاهنةِ يَدَ العَونِ من الموارنةِ الأَسخياءِ وعلى رَأْسِهِم معالي الوزير ميشال إدِّه وعائلته الكريمة، فَتَمكَّنَّا بِعَونِهِ تَعَالَى من إِعادتِهَا إلى استقبالِ المُصلِّينَ في العامِ 2000، بعدَ انقطاعٍ عنها بِفعلِ الحربِ الَّتي دَارَتْ عليها ومِن حَولِهَا طوالَ ربعِ قرنٍ من الزَّمنِ. وهَلْ لنا أن نَذكرَ في المُناسبةِ، على ما يُمْلِيهِ الواجبُ البَنَويُّ، أَفضالَ مُثلَّثِ الرَّحمةِ سَلفِكُم الصَّالحِ مار نصرالله بطرس صفير، الَّذي وَدَّعَتْهُ كنيستُهُ ومعها كلُّ الوطنِ يَوْمَ انتقلَ مِن هذه الدُّنيا الفانِيَةِ إلى بيتِ الآبِ، الوَداعَ الرَّائعَ، وهُو الَّذي أَقامَ فيها الذَّبيحةَ الإلهيَّةَ منذُ تسع عشرة سنة وباركَ مَذْبحَهَا الجديدَ وافتتحَ لها عَهْدًا من الصَّلاةِ والخدمةِ مَوصُولاً بِعهدٍ لها سَبَقَ منذُ تَدْشينِهَا الأوَّلِ يوم عيدِ الشَّعانين من العامِ 1894. ولقد كانَ لِلأَحبارِ أَسلافِنَا الَّذينَ تَعَاقبُوا على رِعَايةِ أَبرشيَّةِ بَيروتَ أَيَادٍ بيضاءُ في تاريخِ هذه الكاتدرائيَّةِ منذُ بدايتِهِ حتَّى اليوم. فالمطرانُ طوبيَّا عَون هُو الَّذي اشْتَرَى الأرضَ لهذا البناءِ سنة 1840، بعدَ أن رَأَى أَنَّ الكنيسةَ القديمةَ لِلموارنةِ في وَسطِ بَيروتَ بَاتَتْ تَضِيقُ بِمُؤمِنِيهَا. وهذا ما سَمَحَ لِخَلفِهِ الصَّالح المطران يوسف الدِّبس، بَانِي الحكمةَ وَكاتبِ مَوسُوعةً مِن تسعةِ أجزاءٍ عن تاريخِ منطقتِنَا المُحِيطَةِ، أَن يُباشِرَ بِبِناءِ الكاتدرائيَّة، فَيَأخذَ العملُ في بُنْيَانِهَا عشرَ سنواتٍ لِيَكتملَ وقد جاءَ رائعًا في هَنْدَستِهِ وَدَاعِيًا لِلخُشُوعِ والصَّلاةِ بِفَضلِ بَهائِهِ المُميَّزِ. وهُو الأسقفُ الَّذي أَرادَ عَبرَ هذه الكاتدرائيَّةِ أن يُدوِّنَ بِالحجارةِ ارتباطَ كنيستِنَا المارونيَّةِ بِالكُرسيِّ الرَّسوليِّ فَحَاولَ على قَدرِ طاقتِهِ أن يُشيِّدَ هذه الكنيسةَ جَاعِلاً منها صُورةً مُصغَّرةً عن بازيليك السيِّدة العذراء، «سانتا ماري ماجوري» في قَلبِ روما الخالدةِ. وبعدَ مُرُورِ ستِّينَ عامًا على تَأسيسِهَا رَمَّمَهَا سلَفُنَا الصَّالحُ المطران اغناطيوس زياده وقد مَنَحنِي فيها سِرَّ الكَهنُوتِ منذُ أربعة وخمسينَ سنة مع رِفاقٍ لي أَعزَّاءَ. وقد رَبِينَا على الإيمانِ نحنُ جيلَ القرنِ الماضِي بِنصفِهِ الأخيرِ وإلى اليوم، مُسْتَمعِينَ إلى مَوَاعظِ أَحبارِهَا وكهنَتِهَا المُلهمِينَ. وفيها رَافَقنَا أحداثَ لُبنانَ بِحُلْوِهَا وَمُرِّهَا وكأنَّها هي الكنيسةُ الَّتي تُتابعُ تاريخَ الوطنِ منذُ كانَتْ. فهي شَهِدَتْ استقبالَ البطريرك الحويِّك في بَيروتَ بَعدَ عَودتِهِ من سَفرِهِ إلى أوروبَّا مِن أجلِ لُبنانَ في العام 1905. كما شَهِدَتْ على مَقرُبةٍ منها تَعليقَ شُهداءِ الوطنِ في السَّادس من أيَّار 1916 على مَشانِقَ نُصِبَتْ على أَمتارٍ من جُدرانِهَا. ثمَّ شَهِدَتْ نِضالَ اللُّبنانيِّينَ من أجلِ استقلالِ وَطنِهِم وَوَضعِ حدٍّ لِفترةِ الانتدابِ الَّتي كانَ لها أن تَنتَهِيَ. كما استقبَلَتْ رؤساءَ البلادِ في الأعيادِ الدِّينيَّةِ والوطنيَّةِ الكُبرَى؛ إلى أَنْ كَادَتْ تَستَشهدُ في الحربِ الأخيرةِ، لكنَّها نَهَضَتْ مِن رَمَادِهَا من جديدٍ وقد عَمِلنَا عَبرَ تَرْمِيمِهَا الأخيرِ على أَن تَكُونَ قِيَامَتُهَا رَمْزًا وَحَافِزًا لِقِيامةِ بَيروتَ إلى عَيْشِهَا الواحدِ وَلِقيامةِ لُبنانَ إلى الحياةِ وإلى الرِّسالةِ الَّتي تَتَجمَّلُ بها حَيَاتُهُ وَتَكتمِلُ. في إِحدَى عِظَاتِهِ الشَّهيرةِ مِن على مِنْبَرِ هذه الكاتدرائيَّةِ أَطلقَ المونسنيور يُوحنَّا مارون عنوانًا لَفَتَ المُستَمِعينَ حينَ قالَ: «هلْ نحنُ أمامَ مساءٍ أَمْ عندَ فجرٍ في الكنيسةِ؟» وكانَ المساءُ يَعنِي عندَهُ نِهايةَ مطافٍ وَبَعضًا من اليَأسِ أَمامَ حالٍ صارَتْ مُستَعْصِيَةً. أمَّا الفجرُ فكانَ يَعْنِي انْتِظارَ مُنطَلَقٍ جديدٍ في حياةِ الكنيسةِ والعالَمِ. فأكَّدَ طُلُوعَ الفجرِ الآتِي في الكنيسةِ بِقوَّةِ الإِيمانِ وَالرَّجاءِ وَالمَحبَّةِ. وَإِنَّنا اليَومَ يا أَصحابَ الغبطةِ والسِّيادةِ ويَا أصحابَ الفخامةِ والدَّولةِ والمَعَالِي والسَّعادةِ، ويَا حَضرةَ السُّفراءِ والمسؤولينَ المدنيِّينَ والعسكريِّينَ الأحبَّاءَ، ويا أيُّها الأخوةُ والأخواتُ جميعًا، لنَسْتَوحِي مِمَّن سَبَقُونَا في زَرْعِ كلمةِ اللهِ في أَرضِ البَشرِ، وفي زَرْعِ بُيُوت اللهِ لِلعبادةِ وَالتَّوقِ نَحوَ العُلَى، كلَّ قوَّةٍ وَكلَّ ثقةٍ بأنَّ المُسْتَقبلَ للهِ وبأنَّ الانتصارَ الحقيقيَّ الباقِي هُو لِلمحبَّةِ ولِلأخوَّةِ الشَّاملةِ الَّتي بَشَّرَ بها قداسةُ البابا فرنسيس وإلى جَانِبِهِ شيخ الأزهر، في إِحدَى البُلدانِ العربيَّةِ الشَّقيقةِ. وعلى هذا الرَّجاءِ المُباركِ نَطلبُ صلاتَكُم يا أَبانا صاحبَ النِّيافةِ والغبطةِ واسْتِنْزَالَ بركاتِ اللهِ علينا وعلى جميعِ الحاضِرِين فَنرفَعَ لهُ المجدَ والشُّكرَ بِضراعتِكُم مِن الآنَ وإلى الأبدِ. آمين."
عظة البطريرك الراعي وبعد تلاوة الانجيل المقدس، القى البطريرك الراعي العظة التالية: "فخامة الرّئيس، إنّه لفرحٌ كبير أن تكونوا على رأس المحتفلين بيوبيل المئة وخمس وعشرين سنة لتأسيس كاتدرائيّة مار جرجس، هنا في وسط العاصمة بيروت، بدعوةٍ من سيادة أخينا المطران بولس مطر، راعي الأبرشيّة. إنّ قيامها في الوسط هو قيام المسيح نفسِه في وسط المدينة بكلامه الحيّ، وبذبيحة جسده ودمه ووليمتها السّريّة، وبالجماعة المصلّية مع الأسقف والكهنة. إنّ وجودكم، فخامة الرّئيس، مع هذه الكوكبة من الرّؤساء الرّوحيّين، والسيدتين الاوليتين السابقتين، وأصحاب الدّولة والمعالي والسّعادة، والمؤمنين والمؤمنات، يضفي على العيد رونقًا جميلًا، ومعاني رفيعةً. فأنتم كرئيس للبلاد، إنّما تقفون "في الوسط" بحيث تتجه اليكم أنظار اللّبنانيّين وآمالهم، ولاسيّما في هذه الظّروف السّياسيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة والأمنيّة الصّعبة. وهي أوضاع نعيشها، إذ بعضها متأتٍّ من الدّاخل بنتيجة الحرب اللّبنانيّة المشؤومة ونتائجها، والبعض الآخر من نتائج الحروب والأزمات الدّائرة في بلدانٍ من المنطقة، ومن سياسة دوليّة لا تتلاءم وموجبات السّلام والاستقرار والنّمو في المنطقة. إنّنا نذكركم مع المسؤولين السّياسيّين ومعاونيكم في المؤسّسات الدّستوريّة، بالصّلاة إلى الله كي يؤيّد مساعيكم الخيّرة ونواياكم الطّيّبة في قيادة سفينة الوطن إلى ميناء الاستقرار والنّموّ والازدهار. يسوع القائم من الموت، تراءى لتلاميذه في مساء أحد قيامته، ووقف في وسطهم، فيما الأبواب موصدة. أعطاهم سلامه وكشف لهم هويّته: صلبه لفداء العالم، وقيامته لبثّ الحياة الجديدة في الإنسان. هويّته هذه أصبحت هويّة الكنيسة والمسيحيّين، وهي المشاركة في آلام الفداء، وإنعاش المجتمع البشريّ بالرّوح الجديدة. "لقد وقف يسوع في الوسط وقال لهم: السّلام لكم" (لو 24: 36). وقوفه" يعني حضوره الدّائم في الكنيسة، جماعة المؤمنين، وهو رأسها. معها يصلّي كرأس، ومن أجلها ككاهن، ويستجيب لها كإله"، على ما يقول القدّيس أغسطينوس. إنّه "في وسط الكنيسة" يقودها بسلطانه الذي يمارسه بإسمه وبشخصه رعاة الكنيسة البشريّون. وهي ممارسة تقتضي منهم أن يعكسوا وجهه وتعليمه ومحبّته. أمّا تحيّة "السّلام لكم" (لو 24: 36) فتعني انتصار المسيح الفادي على الموت بقيامته. ليست مجرّد تحيّة اجتماعيّة، بل تعني هبة السّلام التي يعطيها هو، والتي ليست كالسّلام الذي يعطيه العالم (يو 27:14)، لأنّه سلام القلب والضّمير. المسيح يعطيه سلاما، لأنّه "هو سلامنا" (افسس14:2 )، بحسب تعليم القدّيس بولس الرّسول. هذا السّلام المعطى لجماعة التّلاميذ إنما معطى للكنيسة ولكلّ واحدٍ وواحدةٍ منّا لكي ننشره في العائلة والمجتمع والدّولة. إنّه سلامٌ روحيّ مع الله بالأمانة لوصاياه وإنجيله وتعليم الكنيسة؛ وسلامٌ اجتماعيّ بالعيش معًا باحترام وتعاون وتضامن؛ وسلامٌ سياسيّ بتحقيق الخير العام، وتأمين الحقوق الأساسيّة لجميع المواطنين: من تعليم وصحّة وعمل وسكن وإنشاء عائلة مكتفية. السّلام هو رسالتنا وجوهر ثقافتنا، ورباط اتّحادنا بالله. "طوبى لفاعلي السّلام، يقول الرب فإنّهم أبناء الله يدعون" (متى9:5.). في هذا المفهوم اللّاهوتيّ يندرج بناء كاتدرائيّة مار جرجس في وسط العاصمة، مثل سواها من الكنائس، كعلامة رجاء بالمسيح فادي الإنسان، وعلامة حضوره الفعلي والفاعل وسط الجماعة البشريّة، وعلامة انتصار القيامة على الموت، والنور على الظّلمة، والمحبّة على الحقد، والعدالة على الظّلم، والنّعمة على الخطيئة. هذه كانت نيّة المطران يوسف الدّبس الذي بناها مستوحيًا هندسة بازيليك مريم الكبرى في روما، ودشّنها في عيد الشّعانين سنة1894 . وها نحن اليوم في ذكراها السنوية المئة وخمس وعشرين. وكان سيادة راعي الأبرشيّة المطران بولس مطر قد أعاد ترميمها بعد استشهادها في الحرب اللّبنانيّة المشؤومة، وأعاد إليها جمالها الاول بالتّعاون مع عدد من المحسنين، ودشّنها بقدّاس احتفاليّ أقامه المثلّث الرّحمة سلفنا البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس في 24 نيسان 2000. وهذه كانت نيّة المطران طوبيّا عون الذي اشترى العقار المبنيّة عليه، وبنى أقبيتها، وباشر بوضع أساساتها، وتوفي قبل تحقيق البناء. بل تعود النيّة الأساسيّة إلى الخوري مخايل فاضل، الذي أصبح في ما بعد مطراناً لأبرشيّة بيروت، وبطريركًا على الكنيسة المارونيّة. فهو أسّس كنيسة مار جرجس القديمة سنة 1753 بإرادة البطريرك سمعان عوّاد. ولم تكن بعيدة عن مكان الكاتدرائيّة الجديدة، فاستمرّت حتّى بناء هذه الأخيرة. أمّا اليوم فغابت معالمها مع ما هدمته الشّركة العقاريّة مؤخّرا. فخامة الرّئيس، هذه الكاتدرائيّة الجميلة التي قامت من ركام الموت وعادت إلى زمنها الجميل، مثل مثيلاتها من الكاتدرائيّات والكنائس في وسط العاصمة، إنما تبقى دعوة الرّجاء لنهوض لبنان من "ركام" أزماته: الخلافات السّياسيّة، الموازنة كعامل أساس للاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، تماسك الأمن ودعم مؤسساته وأجهزته عناصر وعتادا، حماية القانون والعدل كأساس للاستقرار واجتذاب المستثمرين ورؤوس الاموال وتحريك الدورة الاقتصادية المتكاملة. أجل، العودة بلبنان إلى زمنه الجميل ممكن بفضل قدرة أبنائه وطاقاتهم، وبقيادتكم الحكيمة مع سائر المسؤولين في البلاد. نسأل الله في هذه الذبيحة الالهية بشفاعة القدّيس جاورجيوس، صاحب المقام، وقاتل "تنّين " أصنام زمانه، أن يعضدكم في قتل "تنّين" أصنام الفساد والمال ونفوذ الأشخاص لغير صالح الدولة والشعب. فليكن كل ذلك لمجد الله الواحد والثّالوث الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين."
صلاة على نية رئيس الجمهورية وتليت خلال القداس واثناء التذكارات، سلسلة من النوايا، احداها على نية رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة، جاء فيها: "أذكر يا رب رئيس جمهوريتنا، أيّده بحكمتك. واذكر رئيس مجلسنا النيابي ورئيس الحكومة في بلادنا، وسائر المسؤولين بيننا وفي العالم كلّه ليقيموا العدل ويحلّوا السلام."
رسالة الكاردينال ساندري وفي ختام الاحتفال، تلا المونسنيور سانتوس رسالة رئيس مجمع الكنائس الشرقية في الكرسي الرسولي الكاردينال ليوناردو ساندري، للمناسبة، باللغة الفرنسية. وبعدها تمت تلاوة الرسالة باللغة العربية، وجاء فيها: "تَحتفلُ أبرشيَّةُ بَيروتَ بِاليُوبيلِ الخامسِ والعشرينَ بعدَ المئةِ لكاتدرائيَّتِهَا المُشيَّدةِ في العام 1894. لقد أَرادَ المطرانُ يوسف الدِّبس أن تَكونَ هذه الكاتدرائيَّةُ في هَنْدَستِهَا الدَّاخليَّةِ مُشابِهةً لِبَازيليك القدِّيسة ماريا الكبرى البابويَّةِ في روما. ولو كانَتْ هذه الكاتدرائيَّةُ أَكثرَ تَوَاضُعًا إلاَّ أنَّها تُعبِّرُ عن تَعلُّقِ الكنيسةِ المارونيَّةِ وَبِخاصَّةٍ هذه الأبرشيَّة بِكُرْسيِّ بُطرسَ. يَجدرُ الفرحُ بِالاحتفالِ بهذا اليُوبيلِ، ليس لِلتَّنويهِ بقِدَمِ هذه الكاتدرائيَّةِ وَعَراقتِهَاِ وَحسب، بَلْ مِن أجلِ التَّذكيرِ بِالمِحَنِ الَّتي عَانَتْهَا عَبرَ تَاريخِهَا. فلقد بَقِيَتْ مُغْلَقةً على مَدَى خمسةِ وعشرينَ عامًا، مُجرَّحةً بِفعلِ حَرْبٍ دمَّرَتْ آثارًا وَبُيُوتًا وَسبَّبَتْ دُمُوعًا وَجُرُوحًا وَأَوْقَعَت قَتْلَى. في مُناسبةِ اليُوبيلِ الكبيرِ للعام 2000، كان البطريركُ الكاردينال الرَّاحلُ مار نصرالله بطرس صفير، وكانَ آنذاكَ بطريركًا لإنطاكيةَ لِلموارنةِ، والَّذي نَرفعُ من أَجلِهِ صلاةً حارَّةً لِوَفاتِهِ، قد احتفلَ بِالذَّبيحةِ الإلهيَّةِ في هذه الكاتدرائيَّةِ المُرمَّمَةِ بِفَضلِ مُحسِنينَ موارنةٍ أَسخياءَ. فَاحتفِلُوا بهذا اليُوبيلِ على أنَّهُ زَمنُ نعمةٍ. المَسيحُ يُريدُ أن يَقترِبَ من مُؤمِنِيهِ لِيَمْنحَهُم أَنْعَامَهُ وَلِيُقوِّيهِم بِالإِيمانِ وَالرَّجاءِ. وَلْتَنزِل نِعمةُ اللهِ وَافِرةً على سِيَادتِكُم وَأَنتُم تَتَوَلُّون هذه الأبرشيَّةَ منذُ العامِ 1996، وعلى مُؤمِنِيهَا وَسُكَّانِهَا لِيَقبَلُوا نعمةَ السَّلامِ والتَّوافُقِ والفَرَحِ. وَلْيَكُنْ هذا اليُوبيلُ أيضًا ينبُوعَ تَوبَةٍ وَمَغفِرَةٍ لِلجميعِ. وَإِنِّي أَسأَلُكُم، يا صاحبَ السِّيادةِ، أَن تَتَقبَّلُوا تَأكِيدَ إِخْلاصِي وَمَشَاعِرِي القَلْبيَّة."
وفي ختام الاحتفال، هنأ رئيس الجمهورية البطريرك الراعي والمطران مطر بيوبيل الكاتدرائية، متمنيا ان تبقى لسنين عديدة شاهدة على رسالة لبنان وقيامته. وتم توزيع كتاب اليوبيل على جميع الحاضرين.
|
|
|
|
|
|
|
|
|