سقوط الحكومة |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#الثائر
*- اكرم كمال سريوي
منذُ وِلادتِها المُتعثرة، سارت الحكومةُ الهوينا، فدخلت في الدهمة، وراحت خبط عشواءٍ، تبحث في جيوب المواطنين، لعلها تجدُ ضالّتها، من كنوزٍ وأمولٍ وُئدت، يوم كان أبو العتاهية يسرح ويمرح. ومضت في غيّها، فضلّت طريقها، حتى بلغ منها الهوانُ مقتلاً، فهوت على سكين جهلٍ، بنحرها، لتسقط في افكها، بين انياب الضرائب والإصلاح المزعوم.
شارف الشهر الخامس ان ينصرم، ولا موازنة بعد للعام الحالي. وعلى امل ان تسلك الموازنة الموعودة قريباً، طريقها الى حفلات المجلس النيابي، ليستمتع اللبنانيون بمنازلات لم يسبق لها مثيل، في تجويد اللغة العربية، ونبش المفردات من كل حدبٍ وصوب، على وقع سيمفونيات الإضرابات المتلاحقة، التي قد يلتحق بها النواب، لان الموازنة تمس بعض حقوقهم المقدسة ايضا.
وحده رئيس الحكومة يقول، انه لا يعرف سبب هذه الإضرابات، وربما هو على حق، فالمهرجان في بدايته، حيث لا نكاد ننتهي من موازنة ٢٠١٩، حتى يبدأ الإعداد لموازنة ٢٠٢٠، لأنه ووفقاً للأنظمة والقوانين، سيكون على وزير المالية، ان يُقدم مشروع موازنة العام القادم، قبل اول شهر ايلول، على ان تُقدّم الى المجلس النيابي، وفقا للمادة ٨٣ من الدستور، في بداية عقد تشرين الثاني. وكون المسار الاصلاحي والتقشفي، يبدأ وينتهي في جيوب المواطنين، فسيكون عامكم حافلاً أيها اللبنانيون، والسوط المؤلم لم يبدأ بعد.
لقد سقطت الحكومة، لانها فقدت ثقة المواطنين بها، وبما تتخذه من إجراءات، ولم تتمكن من إقناعهم بالمساهمة، ولو القليلة، في التنازل عن مكتسباتهم، التي قدمتها لهم، بمعضمها في الامس القريب، كرشوة انتخابية، وأصبحت عالقة، بين غضب شارع، كشفت له بنفسها عن جبل الفساد، ومزاريب هدرٍ وسمسرات، وتنفيعات، وارتكابات مقيتة في إدارة المال العام، وحاجتها الملحة الى تدارك خطر الافلاس، والسقوط، امام جشع دائنين لا يرحمون، ولا يتكلمون سوى بلغة المصالح وملء الجيوب.
ان الحكومة ولو تمكنت حالياً من الاستمرار، ولم تُقدم استقالتها، وهي بالطبع لن تفعل ذلك، ولن تسقط في المجلس النيابي، طالما هي صورة عنه ومنه، لكنها لن تتمكن من الاستمرار طويلا، ولن تكون الحكومة الاخيرة في عهد الرئيس عون، فخسارة الثقة امر سهل، لكن استعادتها تحتاج الى الكثير من العمل والجهد .
ستسقط الحكومة مع السقوط المالي الكبير، فهي لقد سقطت عندما تخلت عن حقوقها، وتركت الاملاك البحرية سائبة، مع العلم انه لا يمكن تملّكها بالتقادم، او بمرور الزمن. هي سقطت عندما حوّلت المواطنين الى أخصام لها، خاصة الموظفين، لانها تركت مزاريب الهدر الحقيقة، وراحت تبحث في جيوبهم، لسد العجز المالي المتنامي، وأي عاقلٍ يفعل ذلك؟ ففشلت في خلق مناخ وطني، يجعلهم يبذلون الغالي والنفيس، لإنقاذ وطنهم الحبيب، كما فعلت ماشا الروسية، عندما باعت بيتها وكل ما تملك، وذهبت الى مجلس السوفيات، وقالت لهم: خذوا هذه الأموال واشتروا بها طائرة، لندافع عن الوطن. واستُشهد ولداها في الحرب، وعاشت هي دون منزل متنقلةً بين بيوت القرية، ثم حملت السلاح لصد الغزاة، وأصبحت مكرمةً فيما بعد، من قِبل الحكومة السوفياتية، كبطلة وطنية للاتحاد السوفياتي.
لقد سقطت الحكومة، عندما فشلت في تحقيق اصلاح حقيقي، يُكسبها ثقة الشعب، ويخلق مناخاً إستثمارياً، يُعيد اليه رؤوس الأموال، بدل هروب الودائع. لقد سقطت الحكومة، في ما توزعه من اموالٍ، على جمعيات وهمية او نفعية، لزوجات الزعماء وغيرهم، من امثال جمعية تحسين نسل الحصان العربي وما شاكل ذلك. لقد سقطت الحكومة، عندما اعتمدت قانون انتخاب طائفي، جعل النواب ممثلين لمذاهبهم، بدل ان يكونوا ممثلين للأمة، وحوّل الشعب الى قبائل متناحرة، وعانت هي الأمرين لإعادة تشكيل نفسها بعده. لقد سقطت الحكومة، عندما فشلت في موضوع الكهرباء، وشكك وزراؤها، في خطة لم نرَ من خيرها شيئاً بعد. وفشلت في إقناع المجتمع الدولي بخطتها الإصلاحية، وجلب الدعم الحقيقي والأموال. لا بل ضاق صدرها، بآراء المواطنين، فراحت تعيد الى الذاكرة ، أساليب القمع وخنق الحريات.
صحيح ان النظام الطائفي في لبنان، يمنع قيام حراك شعبي جامع، ويحوّل محاسبة اي فاسد الى حرب مذهبية، يتلطى خلفها أولئك الذين أوصلوا لبنان الى ما هو عليه، من سؤ حالٍ في ادارته وماليته. لكن تغاضي الحكومة عن الكثير من مكامن الهدر، وامتناعها عن استئصال المرض والورم الخبيث، الذي بات متفشياً ينهش ما تبقَى من جسم هذه الدولة الهزيل، وإصرارها على مد اليد الى جيوب المواطنين، الذين باتوا ينظرون اليها، كغولٍ يأكل لحمهم، ويأخذ خبزهم، ويقدمهم قرباناً الى الحاكم العلي المتعالي الميمون، صاحب المليارات والخير الوفير، الذي لا يشعر بجوعهم او تعبهم او همومهم التي لا تُعد ولا تحصى، من الطبابة، الى تعليم أولادهم، او تأمين مسكن، او ايجاد فرصة عمل، او حتى رغيف خبز أحياناً. ان كل ذلك سيكون كفيلاً بوحدة الفقراء، الذين ليس على صدورهم قميص، ليقفزوا فوق حواجز الطائفية ، فيكسروا قيدها، ليحرروا أنفسهم، ويُنقذوا هذا الوطن، مما آل اليه من كربٍ وسوء حال.
*إن "الثائر" على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية والأفكارة في النص أعلاه تعبر عن رأي صاحبها.
|
|
|
|
|
|
|
|
|