دولة الطوائف... و"ثقافة الاستقالة"! |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#الثائر
وزراء الأشغال العامة والنقل والداخلية في بلغاريا قدموا استقالاتهم أمس على خلفية حادث انقلاب حافلة سياحية أودى بحياة سبعة عشر راكبا، وفي لبنان تحصد حوادث السير أرواحا بريئة يوميا، ولا من يعنيه الأمر، فـ "ثقافة الموت" غالبة، وغدت جزءا من يومياتنا، تآلفنا معها بقوة الفوضى والإهمال والتسيب، نحصي من قضوا ولا يرف لنا جفن، أما من هم في مواقع المسؤولية فتحميهم طوائفهم، وهم حاضرون أساسا من ضمن تسويات اقتسمتنا طوائف ومذاهب وعشائر.
لم ندرك إلى الآن أن الفساد سمة راسخة في أي نظام طائفي، ولا نزال نتوهم أن من يحمي الطائفة، أي طائفة، هم ممثلوها في مواقع الدولة، ولم نتعلم من تجارب شعوب تصالحت مع ماضيها عندما رسخت قيم الديموقراطية وباتت اليوم في قائمة الدول الأكثر تحضرا، وما كان لأوروبا أن تنطلق وتزدهر "ديموقراطياتها" لو ظلت ترابض عند تخوم القرون الوسطى، يوم انغمست الكنيسة في أمور أفقدتها أو كادت هالة موقعها، قبل أن تلج القارة العجوز عصر التنوير، وعاشت بعده مخاضا صعبا مع حربين عالميتين، لتنطلق بعدها في ركب التطور والتقدم.
وامتلكت الكنيسة الكاثوليكية الشجاعة لتعيد الاعتبار لعلماء بعد أربعمئة سنة على رحيلهم، متحصنة بـ "ثقافة الاعتذار"، وهي غير منفصلة عن تعاليم المسيحية الحقة السمحاء مجسدة بتعاليم المخلص الذي افتدى العالم على صليب معاناته، وكان التنوير في أوروبا بداية تصالح بين الكنيسة والعلم، بين الإيمان والعقل، ما رسخ لاحقا مبادىء العدل والمساواة والحرية، وصولا إلى إعلان شرعة حقوق الإنسان.
لا نعلم إلى الآن أن لبنان يتكون من أقليات بغض النظر عن أي طائفة أكثر عددا، وأن الضامن الحقيقي لهذا التنوع هو سلطة القانون والدستور انطلاقا من قيم إنسانية، وحدها تحمي الطوائف وتبدد الخوف من الآخر، وإلا سيظل انتماؤنا إلى "ما دون دولة" كما نحن اليوم، حتى بلغنا أعلى المراتب كبلد ينخره الفساد وتستبيحه الفوضى.
كل يوم يقضي عدد من خيرة شبابنا على الطرقات، ولم يحرك وزير الداخلية ساكنا، وكذلك الحال مع سائر الوزراء، وهم ممنوعون من الاستقالة بحكم أنهم ممثلون لطوائف، ما يمهد الطريق لفساد يقود إلى فساد أكبر وأعظم.
ونحن في كنف دولة الطوائف، تغيب "ثقافة الاستقالة" لأنها تحدث خللا في التوازن الطائفي، ولا هم عندها إن قضمت الكسارات المزيد من الجبال، وشوهت المرامل غاباتنا القليلة المتبقية، ولا هم إن ظلت طرقاتنا مجلبة لموت رخيص، ولا هم إن متنا بالتلوث، وظل الصرف الصحي و النفايات حالة نتعايش معها، المهم أن يبقى ممثلو الطوائف يتقاسموننا.
تحية لبلغاريا، وتحية مضاعفة لوزير التنمية المحلية والأشغال العامة نيكولاي نانكوف، ووزير النقل إيفايلو موسكوفسكي، ووزير الداخلية فالتنين راديف، على أمل نقتدي بهم يوما ساعة نصبح دولة ونغدو وطنا لا مزرعة!
|
|
|
|
|
|
|
|
|