#المغرّد
وثائقي الحرب وظلال ستالينغراد
اكرم كمال سريوي
يُقال: من لا يعرف التاريخ سيُعيد ارتكاب الأخطاء ذاتها. لكن ماذا سيحدث إذا درس تاريخاً مزوراً؟
كان لدي شغف بالتاريخ والافلام الوثائقية، خاصة عن الحرب العالمية الثانية، وذلك لأن عرض الصور والفيديوهات، والأسلوب الروائي، مشوّقاً ومقنعاً جداً.
وفقاً لمنهاج التاريخ اللبناني، المأخوذ بقسم كبير منه عن المنهاج الغربي، والفرنسي تحديداً، كنت أعتقد أن الحرب العالمية الثانية خاضتها بريطانيا العظمى وحلفاؤها، الولايات المتحدة وفرنسا، وهي من الحَق الهزيمة بالقوات النازية، وأنقذوا الاتحاد السوفياتي من براثن هتلر.
فوفقاً للكتب والأفلام: إن معركة العلمين التي وقعت في مصر، أسطورة ومعجزة حقيقة في التكتيك العسكري، بطلها هيرقل البريطاني برنارد مونتغومري، الذي خاض هجوماً ساحقاً على "ثعلب الصحراء" وأشهر قادة هتلر الجنرال إرفن رومل.
ووفق الرواية الغربية، فإن تلك المعركة في أفريقيا، كانت السبب الرئيسي في هزيمة المانيا.
أما في الوقائع وبعد البحث: فيتضح أن تلك المعركة وقعت في نهاية شهر تشرين الثاني 24 نوفمبر1942، أي بعد أن بدأت معركة ستالينغراد بثلاثة أشهر، وبعد أن نجح الهجوم السوفياتي المضاد بمحاصرة 250 ألف جندي لهتلر، داخل ستالينغراد في 19 نوفمبر 1942.
وبالنسبة لحجم القوات: فلقد اشترك في معركة العلمين الثانية 104 آلاف جندي من دول المحور، و 195 ألف من جانب بريطانيا والحلفاء،. وخسر الحلفاء 4800 قتيل و 9 آلاف جريح, مقابل 9 آلاف قتيل لدول المحور، و 15 ألف جريح و 30 ألف أسير، وهذه النتائج كانت بخلاف معركة العلمين الأولى، التي تكبّد فيها الحلفاء خسائر كبيرة منها 250 طائرة و500 دبابة، مقابل خسارة عدد قليل جداً من الطائرات والدبابات لدول المحور.
قام هتلر قبل بدء معركة العلمين، بسحب قسماً من قواته في أفريقيا، وأرسله إلى الشرق لمواجهة السوفيات.
زجّ الألمان في معركة ستالينغراد أكثر من مليون جندي، منهم 400 ألف الماني، والباقي من دول حليفة، ودفع السوفيات بأكثر من مليون و 143 ألف جندي، وخسرت المانيا 740 ألف قتيل ومفقود وجريح، بينهم91 ألف أسير و 900 طائرة، و 1500 دبابة، وخسر السوفيات 478 ألف قتيل، و 650 ألف جريح، و300 طائرة، و 400 دبابة.
رغم كل هذه الوقائع، يصوّر الغرب أن العلمين هي المعركة الفاصلة التي غيّرت مجرى الحرب العالمية الثانية، وليست معركة ستالينغراد، مع العلم أن الهزيمة الأولى لقوات هتلر، كانت قد وقعت قرب موسكو، في نوفمبر 1941، وقبل حلول فصل الشتاء، والدعاية المضخّمة عن الجنرال ثلج، للتقليل من أهمية صمود ودور الجيش السوفياتي.
فهل يمكن تصديق ذلك؟
أما إنزال النورمندي الذي حصل في 6 حزيران 1944، فكان بعد وصول السوفيات إلى الحدود الألمانية، ومن الواضح، وفق رأي المؤرخين الروس، أنه كان بهدف وقف زحف الجيش السوفياتي، فلو تأخر الإنزال "الأسطورة"، حتى ربيع 1945 ، كانت وقعت أوروبا بكاملها تحت سلطة السوفيات، ووصل الجيش الأحمر إلى شواطئ الاطلسي.
تعمّد الغرب في كل الكتب والأفلام الوثائقية، تحريف الحقائق، وأهمل كل التضحيات السوفياتية، وقلل من شأن معارك عديدة من موسكو، وستالينغراد، وكورسك، إلى تحرير دول أوروبا الشرقية، وصولاً إلى معركة برلين وقضاء السوفيات على هتلر ونظام النازية.
إنها حرب الإعلام والمعلومات، والأقوى يزوّر الوقائع، ويبثها ويروّج لها كما يشاء، ووفق رغباته ومصالح، في كتب وأفلام، يدّعي أنها وثائقية، رغم أنها لا تمت إلى الحقيقة بصلة، بل هي مجرّد دعاية وتضليل.
ولاحقاً سيُكتب التاريخ من جديد، فوق جثث ملايين الضحايا في أوكرانيا، بأقلام المضللين.
مَن يقرأ في الوثائق الدفاعية الجديدة، التي تبنّتها وأعلنتها مؤخراً كل من المانيا والسويد، ويتابع تصريحات قادة بولندا ودول البلطيق، يدرك جيداً مفعول الدعاية الغربية ،والسيطرة المطلقة على وسائل الإعلام، وعمليات توجيه وقيادة الرأي العام، وإثارة الروسافوبيا في الغرب.
ويبدو أن هذه السياسة، ما زالت جزءاً من الأحقاد الدفينة على النصر السوفياتي، وعلى روسيا تحديداً،في الحرب العالمية الثانية، التي ينقضي اليوم، 81 سنة على تاريخ بداية الغزو الألماني لأراضي الاتحاد السوفياتي، والذي لم يكن بعيداً عن الدعم البريطاني والفرنسي لألمانيا، وغض النظر عن مخالفتها لشروط معاهدة الاستسلام التي وقّعت عليها في فرساي في نهاية الحرب العالمية الأولى، اعتقاداً منهما بأن هتلر سيشكل درعاً لأوروبا في مواجهة المد الشيوعي، بل سيقضي على نظام السوفيات. لكن طابخ السم آكله، فمجرد أن سمح الحلفاء للألمان بالتسلّح من جديد، وقوي عضد هتلر، انتقم من فرنسا أولاً، وراح يقصف بريطانيا، معتقداً أنها ستستسلم دون حاجة لغزوها، بمجرد تحقيقه النصر السريع، في رحلة صيف على موسكو.
ليس تاريخ الحرب العالمية الثانية وحده، طاله التزوير والتشويه، بل هناك أكثر بكثير مما اعتقده العلّامة ابن خلدون، أنه "أخطاء المؤرخين"، فالتاريخ حقاً كما وصفه سفيان الثوري بأنه: "نزوات المؤرخين" وغطرسة سياسية ومعظمه كذب وهراء.