#المغرّد
تحقيق أميمة شمس الدين - وطنية -
بعد اكثر من سنة على الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بلبنان، ووصول سعر صرف الدولار الى حدود 10000 ليرة لبنانية ما انعكس على ارتفاع الاسعار وانخفاض قيمة الرواتب بشكل كبير فأصبح الحد الادنى للاجور من بين الأدنى عالميا، بالاضافة الى ازمة المصارف واحتجاز أموال المودعين بالعملة الأجنبية وتقييد السحوبات بالليرة اللبنانية، هل هناك من حل لهذه الازمات التي أنهكت اللبنانيين وادت الى الكثير من التحركات في الشارع؟
غبريل
للاضاءة على هذه المواضيع، سألت "الوكالة الوطنية للاعلام" الخبير الاقتصادي نسيب غبريل عن وضع المصارف وسبب ارتفاع سعر الدولار، فأوضح "ان مصرف لبنان أصدر التعميمين 154 و567 في آب من العام الماضي طلب فيهما مجموعة من الاجراءات التي لها علاقة بالملاءة والسيولة المصرفية، منها رفع رأسمال المصارف الى 20% وتكوين احتياطي سيولة من العملات الصعبة يوازي 3% من ودائع المصارف بالعملات الاجنبية ووضعها في حساب محرر في مصرف مراسل في الخارج، بالاضافة الى اجراءات اخرى منها حث المودعين الذين حولوا اكثر من 500 الف دولار منذ تموز 2017 ان يعيدوا 15% من هذه الاموال، او حث مساهمي المصارف الكبار واعضاء مجلس ادارة المصارف والاشخاص المعرضين سياسيا ان يعيدوا 30% من اموالهم. كما طلب من الشركات التي فتحت اعتمادات للاستيراد ان يعيدوا 15% من قيمة هذه الاعتمادات منذ تموز 2017، بالاضافة الى اجراءات اخرى مثل اخذ مؤنات توازي 45% على سندات اليوروبوند التي حملتها المصارف ومؤنات على شهادات الايداع التي أصدرها مصرف لبنان بالعملات الاجنبية والتي تملكها المصارف، وتحضير خطة مستقبلية وتصور لكل مصرف".
واشار الى "ان المصارف انكبت على تطبيق هذه التعاميم، ولم يرفض اي مجلس ادارة التزام هذه التعاميم والخروج من السوق. وقررت كل المصارف التزام هذه المعايير وتطبيقها، وبدأت بالاجراءات المطلوبة". وقال: "عندما أصدر مصرف لبنان هذه التعاميم في آب الماضي لم يكن يعرف هو والمصارف انه بعد ستة اشهر من استقالة الحكومة وعلى انفجار المرفأ ان لبنان سيبقى من دون سلطة تنفيذية، وبالتالي من دون خطة انقاذ مالي اقتصادي نقدي اجتماعي معيشي، ولم يعد بعد الى طاولة المحادثات مع صندوق النقد الدولي بنية الوصول الى اتفاق تمويلي اصلاحي مع الصندوق"، مؤكدا "ان القطاع المصرفي كباقي القطاعات يعمل بضبابية كاملة، وبالرغم من ذلك انكبت المصارف على تطبيق هذه التعاميم واستطاعت ان تلتزم بموضوع رفع رأس المال".
وبالنسبة لموضوع السيولة، قال غبريل: "بعض المصارف باعت أصولها في الخارج، مصر والاردن والعراق وسوريا"، مشيرا الى ان "مصرف لبنان أعطى مهلة لاواخر شباط الماضي لالتزام التعميم 154. وقدمت المصارف ملفاتها الى لجنة الرقابة على المصارف عند انتهاء المهلة، والخطوة التالية ستكون بدرس لجنة الرقابة على المصارف لهذه الملفات ثم ترفع تقريرا للمصرف المركزي وفي ضوئه يتخذ المركز قرارات لمعرفة المصارف الملتزمة التعميم والمصارف التي هي بحاجة الى المزيد من الوقت لتبيع الاصول خارجية لها".
وأشار الى " كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بأن المصارف التي لم تلتزم، وتجنبا لاي تعسر او افلاس لها وضع مصرف لبنان امامها خيارا بتملك الاسهم للحفاظ على الودائع، ثم يتم بعدها اعادة هيكلة الادارة الداخلية للمصرف ويتم عرضها إما للدمج محليا او للبيع خارجيا، وهذا القرار يعود لمصرف لبنان".
وبالنسبة لارتفاع سعر صرف الدولار الى 10000 ليرة، استغرب ما يتم تداوله بأن المصارف لكي تلتزم معيار 3% من السيولة بالعملات الاجنبية اشترت الدولارات من السوق السوداء، وقال: "ان مجموع الاموال التي يجب ان تكونها المصارف بالعملات الاجنبية يبلغ 3 مليارات و 450 مليون دولار، وحتى بعد بيع مصرفين لاصولهما في الخارج يتبقى لها مبالغ ضخمة لتأمينها. فهل يعقل ان تلجأ المصارف الى السوق السوداء المحدودة كي تؤمن هذه السيولة. ولو كانت هذه السيولة موجودة في السوق السوداء لما كانت هناك مشكلة ولما كان هناك تعدد لسعر الصرف، ولما كان هناك مشكلة سيولة في السوق اللبنانية"، مؤكدا ان ما قيل هو "كلام غير واقعي".
واشار الى "ان السوق السوداء هي سوق غير شفافة ولا تخضع للرقابة، تحركها المضاربة والمواقع الالكترونية التي تسعر سعر الصرف يوميا كما تريد، كما يحركها الجمود السياسي التام والضبابية السياسية". وقال: "عندما تم تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة تراجع سعر الصرف الفي ليرة، وعندما طال موضوع التشكيل عاد وارتفع سعر الصرف. ومنذ ثلاثة اسابيع كانت هناك بوادر لتشكيل الحكومة عندها تراجع سعر الصرف. وبعدما ارتفعت حدة الخطاب السياسي والتراشق الاعلامي بدءا من منتصف شباط الماضي عاد سعر الصرف ليرتفع".
ورأى ان "التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان هي خطوة على طريق تحقيق ما يحتاج له القطاع المصرفي، لكنه غير كاف، ففي الوضع الذي نحن فيه لا نستطيع ان نقوم باعادة الهيكلة واعادة العمل بشكل طبيعي للقطاع من دون ان يكون هناك مشروع اصلاحي متكامل واللجوء الى مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للوصول الى اتفاق اصلاحي تمويلي معه، وهذا الموضوع له علاقة بوجود سلطة تنفيذية اي الحكومة لبدء المفاوضات مع حاملي سندات اليوروبوند، خصوصا وان الحكومة الحالية قررت منذ سنة تقريبا التعسر عن تسديد سندات اليوروبوند وهذا كان يجب ان يتبعه تفاوض مع حاملي هذه السندات خلال فترة قصيرة، ان كانوا مؤسسات محلية او صناديق خارجية، لكن هذه المفاوضات لم تبدأ حتى الان، مع العلم ان المصارف تحمل 11 مليار سندات يوروبوند".
وشدد على "ضرورة تشكيل حكومة جديدة للبدء بالمفاوضات، لان حكومة تصريف الاعمال لا يحق لها القيام بذلك، وكذلك ضرورة ايجاد خطة انقاذية مالية ادارية نقدية متكاملة لنصل الى اتفاق تمويلي اصلاحي مع صندوق النقد الدولي حتى يبدأ ضخ السيولة من قبل المؤسسات المتعددة الاطراف والاموال التي رصدت في مؤتمر سيدر ومن قبل صندوق النقد الذي يعطي الاتفاق معه مصداقية للمشروع الاصلاحي للحكومة اللبنانية والانضباط في تطبيقه"، مشيرا الى "اننا لم نبرهن الانضباط في تطبيق الاصلاحات رغم تعهدات الحكومات المتعاقبة بتطبيقها". وقال: "كل هذا يؤدي الى البدء التدريجي باستعادة الثقة وتغيير الاجواء، ليس فقط على صعيد القطاع المصرفي، بل على جميع الاصعدة كالاقتصاد وموضوع الثقة والوضوح اكثر للرؤية وللفترة الزمنية للخروج من الازمة".
وعن موضوع الودائع وعما اذا كانت التعاميم التي اتخذها حاكم مصرف لبنان ستؤدي الى حلحلة، قال :"الثلاثة مليارات و 450 مليون دولار التي يجب ان تضعها المصارف في حساب محرر لدى المصارف المراسلة ومصرف لبنان كان واضحا بانها ستستخدم لدعم الاقتصاد".
وبالنسبة لحض المودعين على ان يسترجعوا 15 او 50% من اموالهم في الخارج المحولة منذ تموز 2017، اوضح غبريل "ان مصرف لبنان طلب تجميد هذه الاموال لفترة خمس سنوات".
مرقص
ورأى رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية وأستاذ القانون المصرفي في جامعة القديس يوسف الدكتور بول مرقص "ان التعميم رقم 154 الذي صدر عن مصرف لبنان في 28 اب الماضي هدفه الحث الملقى على عاتق المصارف وهو موجب عليها، من حيث ضرورة اتمامه كي يدقق المدقق الخارجي لكل مصرف بأن هذا الاخير قام بالموجب الملقى عليه. لكن موجب الحث هذا الذي يقع على عاتق المصارف ليس له اي نتيجة حكمية او موجب قانوني على من حول الاموال، اي العملاء، لأن ليس هناك قانون لضبط التحاويل الى الخارج( الكابتول كونترول) حتى الساعة، و بالتالي يكونون قد حولوا في ظل نظام ليبرالي حر المعبر عنه في الفقرة واو من الدستور اللبناني وانطلاقا من مبدأ قدسية الملكية الخاصة لاموالهم المنصوص عليه في المادة 15 من الدستور".
واوضح "ان موجب الحث الملقى على عاتق المصارف مرتبط بالموجب الرئيسي المطلوب منها بأن يكون حسابا خارجيا لا يقل عن 3% من مجموع الودائع لديها بالعملات الاجنبية، وبالتالي ان هذا الالتزام يتوجه الى المصارف من ناحية الحث اكثر منه الى العملاء الذين يكتفون بأخذ العلم من قبل المصرف بدعوتهم الى اعادة 15% او 30% من أموالهم حسب الوضعية التي يكونون فيها دون ان يكونوا ملزمين بهذه الاعادة". وقال: "السؤال المطروح، ماذا لو تمنع هؤلاء العملاء عن اعادة جزء من اموالهم كما يطالب التعميم. الجواب واضح، بان عدم قيامهم بتنفيذ المطلوب لا يشكل اي مخالفة او جرم جزائي ولا يرتب عليهم او على المصرف اي مسؤولية ما دام المصرف قد ابلغهم".
وبالنسبة لاموال المودعين، اعلن مرقص "ان المسار القضائي الذي سلكه البعض منهم بوجه المصارف قد لاقى تجاوبا خجولا من قبل قضاة العجلة، وكذلك من قبل محاكم الاستئناف الذي ذهب عدد منها الى وقف تنفيذ قرارات العجلة الصادرة لصالح عملاء المصارف"، مشيرا الى "قرار استئنافي جريء صدر منذ ايام لصالح المودع والذي ألزم المصرف بتحويل الوديعة بكاملها الى الخارج"، مضيفا: "قبل ان نقول ان اجتهادا قضائيا ثابتا قد ارسي، علينا انتظار ما يؤول اليه هذا القرار الاستئنافي في غضون الايام القليلة المقبلة لاعطاء اجابة نهائية على ثبات التوجه القضائي".
صرخة المودعين
رئيس جمعية "صرخة المودعين" علاء خورشيد قال لـ"الوكالة الوطنية للاعلام": "بدأت الازمة عام 2019، اذ لم نعد نتمكن من سحب اموالنا بعد ان امضينا نصف عمرنا في الخارج لنجنيها. قمنا بعدة تحركات، منها زيارة المسؤولين والمعنيين كرئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود والنائب فؤاد مخزومي ونقيب المحامين ملحم خلف بالاضافة الى عدد من الوزراء والكتل النيابية وحاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف وصولا الى رئيس الجمهورية، وعندما لم نلاق اذانا صاغية نزلنا الى الشارع امام مصرف لبنان وجمعية المصارف والمصارف".
اضاف: "ان أهم النتائج التي حققتها جمعية صرخة المودعين بعد اجتماعنا مع حاكم مصرف لبنان، صدور تعميم عدم تجميد الشيكات، وبعد اجتماعنا مع جمعية المصارف تم الأيعاز للمصارف بعدم تسكير حساب أي عميل واعطائه شيكا مصرفيا، وايضا تمت مساعدة بعض المودعين على حل بعض المشاكل العالقة في المصارف".
وسأل: "لما لا يفرج اصحاب المصارف عن اموالنا وقد ائتمناهم على ودائعنا؟".
ودعا الى "التمييز بين التحركات الشعبية وتحركات المودعين"، مشددا على "ضرورة الحوار مع السياسيين حتى نصل الى نتيجة". وقال: "بعض الناس يلقون اللوم علينا لاننا التقينا سياسيين، نحن أوضحنا للجميع انه اذا تحتم علينا أن نجلس مع الشياطين أو حتى الذهاب الى القمر لايجاد حل لقضيتنا التي ليست فقط محقة قانونيا بل محقة دستوريا وشرعيا وحتى على المستوي الأخلاقي. صحيح ان جزءا من الأزمة في لبنان اقتصادي، ولكن الجزء الأكبر هو أزمة أخلاقية وأزمة ضمير"، مشيرا الى "دور القضاء، فهناك قوانين تحمي المودعين، وكذلك المادة 15 من الدستور".
وشدد على "ضرورة تطبيق الاصلاحات لحل الازمة المالية والاقتصادية في لبنان"، وقال: "يجب ايجاد حل لازمة المودعين الذين تدمر مستقبلهم"، متسائلا "لماذا يدفع المودعون الصغار الثمن".
وقال: "نحن لا نريد هدم القطاع المصرفي، بل هدم العصابة التي تتحكم فيه، ونتمنى على الاعلام تسليط الضوء على قضية المودعين لانها قضية تعني أغلبية اللبنانيين"، مشيرا الى انه سيتم تنفيذ عدد من التحركات تشمل منازل المسؤولين. وطالب برفع دعاوى على المسؤولين بتهمة حجز الاموال عبر مؤسسات قانونية، مؤكدا انه "لن يساعد المودعين غير المودعين أنفسهم، وباتحاد الجميع".