#المغرّد
كتبت صحيفة "الجمهورية" تقول: ليس مفاجئاً ما أعلنته مديرة صندوق النقد الدولي ، أمس، بأنّه لا يوجد سبب حتى الآن لتوقّع حدوث انفراجة للأزمة الاقتصادية في لبنان، كما ليس مفاجئاً ما ورد في التقرير الذي اعدّته وكالة "رويترز"، وخلصت فيه الى انّ الليرة اللبنانية فقدت نحو 80 في المئة من قيمتها منذ تشرين الاول. فكل شيء متوقع في ظلّ سلطة حاكمة تنضح ضعفاً وعجزاً، ولا تملك سوى تضييع الوقت وإعدام الفرص والدوران حول نفسها.
في هذه الاجواء، لوحظ التركيز الاميركي المتكرّر في هذه الفترة، على "انّ الحكومة لم تقم حتى الآن بالإصلاحات الموعودة"، وكذلك مع التصويب المتلاحق على "حزب الله"، وجديده اتهام السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا، الحزب بأنّه يمنع الحلّ الاقتصادي، واعلانها صراحة عن "عقوبات قد تطال حلفاء وداعمين لـ"حزب الله" من طوائف أخرى". وتزامن ذلك مع تغريدة لقائد القيادة المركزية الاميركية فرانك ماكينزي قال فيها: "اؤيّد استمرار تمويل الجيش اللبناني، لأننا نؤمن انّه يحفظ الأمن والسيادة في لبنان".
تحذير أوروبي
وفي موازاة تأكيدات السفيرة الاميركية، بأنّ "قانون قيصر" لا يستهدف اللبنانيين، بل يستهدف فقط نظام بشار الاسد، يبرز تحذير مصدر ديبلوماسي اوروبي للبنان من "خطورة سلوك "خيارات قاتلة"، في حال الاستخفاف بقانون "قيصر" الأميركي، حيال التعامل مع سوريا أو التحايل على هذا القانون، لأنّ الاميركيين، ثبت في الفترات السابقة، أنّهم يملكون الأدوات لرصد كل العمليات المالية والنقدية والتهريب بأدق تفاصيلها".
كما حذّر المصدر من "ربط مصير اقتصاد لبنان - الذي من الممكن حتى الآن انقاذه - بمصير اقتصادات "دول الممانعة" التي تتداعى سريعاً وتؤدي الى إفقار المواطنين"، لافتاً الى ما أعلنه الرئيس الايراني حسن روحاني، أنّ شركات ايرانية ورجال أعمال ايرانيين يهرّبون مليارات الدولارات الى الخارج، وانّ السلطات الايرانية سوف تلاحقهم.
وقال المصدر الديبلوماسي الاوروبي لـ"الجمهورية": "أنظروا الى طهران، فقد أصبح سعر الدولار الاميركي في السوق السوداء نحو 200 الف ريال ايراني، فيما السعر الرسمي هو نحو 42 الفاً. كذلك في سوريا، يباع الدولار الاميركي في السوق السوداء بـنحو 3 آلاف ليرة، فيما السعر الرسمي هو 1250 ليرة سورية. ولبنان اليوم يعيش واقعاً مشابهاً، مع فارق انّ لا امكانات لديه للتحمّل والصمود مثل ايران وسوريا".
وحضّ المصدر السلطات اللبنانية على المبادرة فوراً الى اتخاذ قرارات إصلاحية، قبل الكارثة، لإعادة الثقة الى المواطنين والمغتربين والدول المانحة، لأنّ ازمة المصارف والبنك المركزي وسعر الدولار لا يمكن ان تُحل إلّا بالثقة.
ماذا عن لبنان؟
الصورة اللبنانية داكنة، تتكون في اجوائها غيوم عاصفة كبرى، تنذر بها سيناريوهات مخيفة وتوقعات سوداوية صادرة من كل حدب وصوب، تُشعِر المواطن اللبناني بأنّه أصبح على مسافة أيام قليلة من أن يستيقظ يوماً، ويجد أنّ الانهيار المريع قد وقع وقضي الامر.
مشهد الانهيار
انّه الانهيار، وكأنّ البلد عبارة عن مبنى تزعزعت أساساته، وبدأ يتداعى، مع ما يرافق ذلك من اضطرابات وقلق وحالات هلع.
هكذا بدا المشهد امس، فيما كانت اخبار ذوبان الليرة امام الدولار تتوالى الى مسامع المواطنين والمستوردين والتجار، وفيما شهدت محلات السوبرماركت زحمة بسبب تهافت الناس لشراء البضائع الضرورية، قبل ان ترتفع اسعارها بالتماهي مع ارتفاع سعر الدولار الذي تجاوز امس عتبة الـ7 آلاف ليرة، كانت محطات الوقود تشكو من تهافت مماثل من قِبل مواطنين لتخزين مادة المازوت قبل ان ترتفع اسعارها. وكأنهم يستعدون للأسوأ.
ومن المفارقات، انّ هذه الاضطرابات، التي انطلقت أساساً من سوق الصرف، تزامنت مع إطلاق العمل بالمنصّة الالكترونية لعمليات الصرافة، للتداول في العملات بين الدولار الاميركي والليرة اللبنانية لدى الصرافين. وكان يُفترض ان تساهم هذه المنصة في لجم ارتفاع الدولار، وتنظيم اعمال الصرافة، وحماية قيمة الليرة قدر المستطاع. لكن، ومن سخرية القدر، انّ في اليوم الاول لانطلاقة المنصّة، واصلت الليرة انهيارها السريع، وكأنّها أصبحت بلا قعر.
الليرة تراجعت 80 %
وفي السياق، أفادت وكالة "رويترز" في تقرير من بيروت، انّ الليرة اللبنانية هوت إلى مستوى منخفض جديد مقابل الدولار في السوق الموازية، حيث فقدت حالياً نحو 80 في المئة من قيمتها منذ تشرين الأول، فيما قال مستورد للأغذية إنّ انهيار العملة يؤثر سلباً على الواردات.
وذكر التقرير، أنّ أزمة العملة جزء من انهيار اقتصادي أوسع نطاقاً، يشكّل أكبر تهديد لاستقرار لبنان المعتمد على الواردات منذ الحرب الأهلية.
ولاحقاً، جاء تصريح رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، ليُكمل المشهد السوداوي، اذ أنّها أعلنت انّه "لا يوجد سبب بعد لتوقع حدوث انفراج في الأزمة الاقتصادية في لبنان". بما يعني عملياً انّها تتوقّع ان تستمر الأزمة وتتفاقم لمدة طويلة. ولا يوحي هذا الكلام بأنّ رئيسة صندوق النقد تتوقّع اتفاقاً وشيكاً بين الصندوق ولبنان للبدء في تنفيذ خطة انقاذ.
هروب الى الامام
المفارقة العجيبة الغريبة، أنّ المواطن اللبناني المستنزف في كل مفاصل حياته، واللاهث خلف لقمة عيش لتأمينها الى اولاده، يطرح في موازاة السيناريوهات الانحدارية التي تنتظره، تساؤلات وجودية عن حاضره ومستقبله ومصير بلده، فيما السلطة ما زالت في الصف الخلفي، تكتفي فقط بتشخيص الأزمة وتوزيع المسؤوليات في كلّ اتجاه، وتمعن في الهروب الى الامام عبر افكار وطروحات تدرك سلفاً انّها مرفوضة، كمثل الفكرة التي هُرِّبت في مجلس الوزراء بطلب صلاحيات استثنائية للحكومة.
مراهقة سياسية
هذا الطرح، وعلى الرغم من سقوطه السريع، رفضته مصادر مجلسيّة مسؤولة جملة وتفصيلاً. وقالت لـ"الجمهورية": "بعدما فشلوا في ايجاد سبل المعالجة للأزمة، يسعون الى تعطيل مجلس النواب، فمثل هذه الطروحات الفارغة، ما هي الّا محاولة هروب من هذا الفشل، وتغطية لحجم المأزق الذي يتخبط به اصحاب هذا الطرح، وهو إن دلّ على شيء فعلى خفّة ومراهقة سياسيّة فاضحة، في مرحلة تستوجب الحد الأعلى من النضوج".
واذ اشارت المصادر الى "انّ فرصاً عديدة أُتيحت للحكومة لتمارس صلاحياتها واتخاذ ما هو مطلوب منها من قرارات وخطوات انقاذية، وهي نفسها فوّتتها، والمجلس النيابي كان الى جانبها ورافداً لها وقام ولا يزال بدوره المسهّل لها ومهّد الطريق امامها لتدخل الى ساحة الانتاج والانجاز، فلم تفعل"، لفتت الانتباه الى انّ "جوهر طلب صلاحيات استثنائية للحكومة، هو هروب من خطأ الى خطيئة، وبالتأكيد انّه صادر عن ولادة الفتاوى غبّ الطلب، وهو من حيث الشكل والمضمون، وقبل ذلك من حيث المبدأ، مرفوض كليّاً من قِبل رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وهو لا يسمح على الإطلاق بالمسّ بالمجلس النيابي، او الايحاء بأنّه مقصّر او متقاعس او منكفئ عن القيام بواجباته، او الانتقاص من صلاحياته ومحاولة تعطيله تحت أي عنوان. لقد جرّبوا في الماضي وفشلوا، وليخيّطوا الآن بغير هذه "المسلّة، وليلعبوا خارج هذا الملعب".