#المغرّد
حافظ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون واللبنانية الأولى السيدة ناديا الشامي عون على التقليد السنوي في التحضير لعيد الميلاد المجيد، وشاركا في افتتاح تساعية الميلاد التي أقيمت مساء اليوم في كنيسة سيدة الزروع في الجامعة الأنطونية بعبدا، شفيعة الجامعة.
ترأس رتبة التساعية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ، وعاونه فيها مطران أبرشية بيروت للموارنة بولس عبد الساتر، المطران سمعان عطا الله، السفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتري، الرئيس العام للرهبانية الأنطونية الأباتي مارون أبو جوده ومجلس المدبرين في الرهبانية، رئيس دير سيدة الزروع رئيس الجامعة الأب ميشال الجلخ ولفيف من الكهنة، وخدمتها جوقة الجامعة والمرنمة غادة شبير بقيادة الأمين العام للجامعة الأب الدكتور توفيق معتوق.
الحضور
ولدى وصول رئيس الجمهورية واللبنانية الأولى الى مدخل الجامعة حيث استقبلهما الجلخ، قرعت أجراس الكنيسة التي دخلا إليها وسط إنشاد الجوقة لترنيمة النور.
وحضر التساعية النواب ابراهيم كنعان، ألان عون وحكمت ديب، المدير العام لأمن الدولة اللواء أنطوان صليبا، مدير المخابرات في الجيش العميد أنطوان منصور، قائد منطقة جبل لبنان العقيد جهاد الأسمر، عقيلة قائد الجيش السيدة نعمت جوزف عون، رئيس بلدية الحدت جورج عون، القاضي نقولا منصور، نقيب المحررين جوزف القصيفي وشخصيات وفاعليات وحشد من المؤمنين.
تأمل البطريرك
وبعد الإنجيل، ألقى الراعي التأمل الميلادي التالي من وحي المناسبة: "في بداية تساعية الميلاد التي ترمز إلى مسيرة الأجيال وتوقها إليك، أيها المسيح الرب، أتينا إلى الجامعة الأنطونية هذه، وعلى رأس الجميع فخامة رئيس الجمهورية، مع من يحوط به من مسؤولين سياسيين ومدنيين، ومع السفير البابوي وأساقفة ورهبان، وأسرة الجامعة.
أتينا لنسجد لك في سر القربان الذي يتواصل فيه سر تجسدك في مذود بيت لحم. أتينا لنتأمل في سر تواضعك، أنت الإله الذي أخليت ذاتك وعرشك الإلهي وتواضعت وصرت إنسانا مثلنا، لتتضامن مع كل إنسان وترافقه في رحلة حياته، تنيرها بكلمتك، وتقدسها بنعمتك، وتجددها بروحك القدوس، فكنت عمانوئيل "إلهنا معنا"، ولتعلمنا التواضع والنزول عن عرش الأنانية والكبرياء والمصلحة الذاتية، والموقف المتحجر، والرأي المستبد.
أتينا لندخل في مدرستك، مدرسة الحب الذي حملك إلينا، فافتديتنا بذبيحة ذاتك حرا على الصليب، وأعطيتنا روح قيامتك لحياة جديدة؛ وواصلت سر حضورك معنا بكلمة الإنجيل، وبخبز جسدك ودمك، لكي تولد فينا.
أتينا لنعلن التزامنا من أجلنا صرت إنسانا: لقد أخذت جسدا بشريا من مريم التي حملتك في أحشائها، وتريد أن يحملك كل واحد وواحدة منا بحب في قلبه. فنكون مثلها سعداء بالسهر على حملك بدون انقطاع في قلبنا. هي قدمتك لحياة العالم كله، ونحن، بأعمالنا وتصرفاتنا ومواقفنا ومبادراتنا، نقدمك لحياة وطننا لكي ينمو، وشعبنا لكي يكون سعيدا.
لقد إخترت أن تولد في مذود حقير، لأن القصور الممتلئة من ذاتها وأنانيتها وكبريائها تضيق، على سعتها، لتقدم لك مكانا لاستقبالك، خوفا من نورك لئلا تكشف عوراتها، وهي لا تريد أن تشفى منها. هيرودس أمر بقتلك بين جميع أطفال بيت لحم، خوفا على عرشه البائد، فكانت أول إبادة تاريخية للطفولة. أما الرعاة الفقراء فسارعوا إلى مذودك يحملون هداياهم: لك التسبيح والحمل الرضيع يا من ستصبح حمل الفصح الذبيح، ولأبيك يوسف لحما، ولأمك مريم حليبا (مار أفرام السرياني). وكذلك المجوس علماء الفلك الأغنياء، أتوا من المشرق البعيد حاملين هم أيضا هداياهم النبوية: الذهب للملك، والبخور للكاهن، والمر للذبيح الفادي. المذود قدم لك التبن سريرا، والبهائم الدفء والحرارة. أما يوسف ومريم فأحاطاك بكبير الحب والحنان، والملاك أعلن بشراك للعالم أجمع، وأجواق السماء أنشدت "المجد لله في العلى والسلام على الأرض" (لو14:2). ونحن، ماذا ترانا نقدم لك من صميم القلب؟ نقدم أعمال المحبة للفقراء وللعائلات المعوزة، وشد أواصر وحدة شعبنا المتمثلة في انتفاضته التي نرجو لها النجاح في مطالبها من أجل ولادة لبنان الجديد، بعد مئة عام على إعلان دولته بكل حدودها، وهويتها المميزة.
يا رب، أمام حضورك معنا في سر القربان الذي يواصل سر تجسدك، نخشع ونسجد ونعبد. إنا نستودع محبة قلبك مصير وطننا لبنان المتهاوي والمتزعزع، الذي تتقاذفه الرياح العتية والأمواج الهائجة سياسيا واقتصاديا وماليا ومعيشيا، كسفينة في عرض البحر، وكأنها أضاعت فوق ذلك بوصلتها، التي هي الدستور والميثاق الوطني المتجدد في وثيقة الوفاق الوطني.
إننا نصلي من أجل ربانها، فخامة رئيس الجمهورية، والمسؤولين معه في المجلس النيابي والحكومة أمام الله والشعب، لكي بروح المسؤولية والتجرد، يجروا غدا الاستشارات النيابية بنجاح، يتفانوا في سبيل إيجاد الحل السريع لتشكيل حكومة تتمتع بالمصداقية والثقة والفاعلية، والقدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية والمعيشية.
فلتكن ولادة الحكومة الجديدة، في ذكرى ميلادك الذي أبهج السماء والأرض، هدية ميلادية، وتردادا لصدى نشيد الملائكة في ليل بيت لحم المستنير بنورك: المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام لبني البشر (لو14:2). آمين".
الجلخ
وبعد انتهاء رتبة تساعية الميلاد، ألقى الجلخ الكلمة الآتية: "إنه عيد الرجاء، عيد قهر المستحيل، وهل من مستحيل أكبر من اتساع الزمن للأبد، والمذود الصغير لباري الأكوان؟ إنه عيد الفقراء والمهمشين والمنسيين، الذي ارتضى الله ان يلبس حزنهم وفقرهم، ليعلمنا ان إنسانيتنا، لا مسيحيتنا وحسب، تقاس بما نفعله لإخوتنا هؤلاء الصغار. لذا، فلا تناقض بين ان نحتفل بالعيد ونحمل معا صليب وطننا ومجتمعنا في ظل أوضاع معقدة وبالغة المشقة. لا تناقض في أن نحتفل بالعيد فيما الأفق ملبد بغيوم القلق، فنجم الميلاد لا يسطع إلا في أحلك الظلمات. وها هي الأنطونية تحافظ على فرح اللقاء بفخامتكم في تقليد يرتقي بالروح نحو العلى بالرغم من الأزمة التي ألمت بنا من خارج جدول الآمال.
نتحلق كما في كل سنة، لنفتتح معا تساعية الميلاد، ولنصلي من أجل خروج وطننا من محنته، باتجاه غد لا يشبه الأمس، غد يمضي بنا نحو الأفضل، غد يضع الشفافية محل الفساد، والكفاءة محل الواسطة، والتمييز محل التشويش، والشجاعة في تحمل المسؤولية محل استسهال رميها على الغير.
لقد طال انتظار الشعب السالك في الظلمة، ظلمة الحرب تارة، وظلمة القهر والفقر تارة أخرى، وآن له ان يبصر النور، ويبشر بالسلام وبالحياة الوافرة. ليس ميلاد هذا العام اكثر قتامة من اعياد السنوات السابقة. فالأزمة التي نحن فيها تراكمت عبر تلك السنوات. كنا نؤجلها او نتغاضى عنها، او نأمل معجزة تحلنا من تبعات المسارات التي انتهجناها في الاقتصاد والاجتماع والتعليم وسواها. وها نحن اليوم نقف وجها لوجه مع نتائج هذه السنوات. لا مجال للتأجيل او للتجاهل، ولكن لا مجال لليأس كذلك. معا سنعبر الأوقات العجاف، لنبني، على الصخر هذه المرة، مستقبلا لأولادنا. حسبنا اننا عازمون على ذلك، وان على رأس دولتنا رجل صنع لمواجهة المصاعب. آمالنا معقودة عليكم يا فخامة الرئيس، وسيما انكم تكلمتم باكرا عن محاربة الفساد، وكنا بالكاد نستعيد الحرية والسيادة والاستقلال، وعرفتم كيف تتنقلون بين فن الممكن ورفض اللامقبول، محافظين على وحدة أبناء الوطن وعلى السلم الأهلي والكرامة الوطنية.
صلاتنا ان يهدينا الطفل الإلهي جميعا الى ما فيه خير وطننا وان يطل علينا عيد الميلاد القادم وقد عبرنا الى بر الأمان".