#الثائر
د. محمد موسى*
ملفت كان إعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب وضعه اليد على الثروات الطبيعية في سوريا لاسيما النفط المتواجد في الشمال السوري , ولا شك ان الارتباك الاميركي المصاحب لخطوة الانسحاب من تلك المناطق بالتزامن مع العمليات التركية ضد الاكراد و عملية تصفية البغدادي وما صاحبها من غموض و إظهار على طريقة الفيلم الاميركي الطويل, ناهيك عن سياسة القضم الروسية في كل المواقع التي كانت تخلو من السيد الاميركي في صراع مبطن بين الروس و الاتراك من جهة و رسالة روسية للقوات الاميركية من جهة اخرى مفادها بداية الصراعات على النفط السوري.
و قال ترامب: " لقد حاول داعش حفظ سيطرته على النفط، أما الآن فأصبحنا نحن الذين نسيطر عليه بشكل كامل. وأقول بكل صراحة إننا نتمتع في هذا الشأن بدعم عدد كبير من الناس والدول. وفي حقيقة الأمر، لم يبق في هذه الأراضي السورية من عسكرينا سوى من يحمون النفط.
النفط في أيدينا ويمكننا أن نفعل به ما نشاء".
إن التحول في النظرة الاميركية الى النفط في سوريا يدعو كل الاطراف الى القلق فالحكومة السورية التي تفاوض مع المعارضة بكل اطيافها تعلم مسبقا" ان لا غطاء لأي اتفاق على الدستور ثم ما يتبعه من خطوات بغير غطاء امريكي مصحوب بغطاء روسي و ذلك بفعل ما للدب الروسي من قدرة و تماهي مع قرارات القيادة السورية , وبالمقابل أين الاتراك من هذا التحول في ظل لعبة الغاز الدائرة في حوض المتوسط خصوصا بعد منتدى القاهرة و الذي ضم اليونان وقبرص اليونانية و إسرائيل و الذي قابلته الحكومة التركية بالاتفاق مع حكومة السراج الليبية وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان" إن الاتفاق المبرم بين بلاده وليبيا بشأن تحديد النفوذ البحري في البحر المتوسط حق سيادي لكلا البلدين، وإن تركيا لن تناقشه مع أحد".
وفي ظل الثورات المتنقلة من بغداد الى بيروت وصولا" الى بعض المحافظات الايرانية ما هو دور طهران و موقفها من الخطوات الاميركية في الشمال السوري علما" ان وزير الخارجية الاميركي قد شن هجوما" لاذعا" على طهران متهما" ايها بنشر الفساد في المنطقة.
ان الصريح و الواضح ان كميات النفط السورية المعلنة و المنتجة ليست بالرقم الهائل إنتاجيا" فمن المعروف ان انتاج سوريا النفطي بلغ في عز اوجه حوالي 600 الف برميل فكيف بالحال الأن وتشير المصادر ان الحرب دمرت القطاع النفطي في سورية لينخفض إنتاج البترول السوري الرسمي في العام 2018 إلى ما دون 20,000 برميل في اليوم الواحد بعدما بلغ 380 ألفا قبل بدء النزاع في 2011
بعبارة أخرى أن الاحتياطي المعلن من النفط والغاز في سوريا، لا يبرر هذا الصراع المحموم للسيطرة، أو البقاء هناك من جانب قوى رئيسية في العالم كالولايات المتحدة الاميركية وذلك لأن هذا الاحتياطي حاليا لا يتجاوز 2.5 مليار برميل من النفط، وهو ما لا يجعل أميركا مع منطق التاجر السائد في عهد ترامب ان تغامر ببقاء جنودها, إلا إن كان لدى الأمريكان مسوحات زلزالية تشير الى كميات هائلة من النفط على ما تقول بعض المصادر و المواقع.
لكن بنظرة عملية اقرب الى الواقع ، ارى ان القرار الأمريكي يستند الى ثلاثة ركائز:
أولها الأهمية الجيو- إستراتيجية لموقع سوريا، المجاورة بحريا" وبريا" للخطط الاميركية المستقبلية في المنطقة.
ثانيها أهمية سوريا الاقتصادية، التي تعد ممرا" و موطئ قدم عبر البر لتصدير النفط والغاز من إيران والعراق والخليج عبر مشاريع عملاقة بخطوط نقل النفط بالأنابيب إلى أوروبا عن طريق تركيا، بالاضافة ومن شبه المؤكد احتمالات تحقيق اكتشافات للغاز في مناطق الساحل السوري لاسيما بعد المسوحات الحاصلة في كل حوض شرقي المتوسط من مصر الى لبنان و قبرص و بالتالي حضور الشركات الاميركية النفطية الكبرى.
وثالثها حضور الاميركي في إتفاقات إعادة إعمار سوريا و التي ستكون ارقامها بمئات المليارات على ما تؤكد العديد من البيوت الاستشارية المعنية.
لاشك ان الأيام القادمة تحمل دلالات جديدة لقراءة خطوة ترامب و التي من المؤكد ستكون احدى مسارات الجدل في نقاط القوة و الضعف في الحسابات الضيقة للانتخابات الاميركية بين الجمهوريين و الديمقراطيين.
• أستاذ جامعي محاضر*